عليه تاريخ الإسلام كله. ويقول محمد بن أسحق أشهر من كتب سيرة النبي أنه هو نفسه قد وصف هذا الحادث الجليل بقوله "فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ. فقلت: ما أقرأ؟ فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: اقرأ، قال فقلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لا يعلم". فقرأتها ثم أنتهى فانصرف وهببت من نومي فكأنما كتب في قلبي كتاباً؛ قال فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول: "يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل: قال فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. قال فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء قال فلا أنظر من ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي (١).
ولما عاد إلى خديجة حدثها بما رأى، وتقول الرواية أنها آمنت بأن ما رآه وحي صادق من السماء، وشجعته على أن يعلن للناس رسالته.
وتكرر الوحي بعد ذلك مرات كثيرة، وكثيراً ما كان يحدث في أثناء هذه الرؤى أن يسقط على الأرض ويرتجف أو تُخشى عليه، ويتصبب العرق من جبينه، وحتى الجمل الذي كان يركبه كان يتأثر ويضطرب في مشيه. وقد قال محمد يما بعد إن مشيبه كان من أثر هذه التجارب، ولما طُل إليه أن يصف كيفية نزول الوحي قال: إن القرآن كله محفوظ في السماء وأنه نزل عليه متقطعاً، وكان ينزل عليه
(١) راجع ابن هشام "جـ ١ ص ١٥٣ وما بعدها" حيث يروي الحادث كله. (المترجم)