للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على لسان جبريل، ولما سئل كيف يتذكر هذه الأقوال القدسية قال: إن جبريل كان يطلب إليه أن يكررها كلمة كلمة (١). ولم يكن المحيطون بالنبي في هذه الأوقات يرون جبريل أو يسمعونه. وقد يكون ارتجافه ناشئاً من نوبات صرع فقد كان يصحبه في بعض الأحيان صوت وصفه بأنه يشبه صلصلة الجرس، وتلك حال كثيراً ما تحدث مع هذه النوبات، ولكننا لا نسمع أنه عض من خلالها لسانه أو حدث ارتخاء في عضلاته كما يحدث عادة في نوبات الصرع، وليس في تاريخ محمد ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاء ويزداد قدرة على التفكير وثقة بالنفس وقوة بالجسم والروح والزعامة، كلما تقدمت به السن حتى بلغ الستين من العمر. وقصارى القول أنا لا نجد دليلاً قاطعاً على أن ما كان يحدث للنبي كان من قبيل الصرع. ومهما يكن ذلك الدليل فإنه لا يقنع أي مسلم متمسك بدينه (٢).

وأخذ محمد في خلال السنوات الأربع التالية يجهر شيئاً فشيئاً بأنه نبي الله


(١) في صحيح البخاري ومسلم ذكر لبدء الوحي إلى الرسول وبيان لكيفيته، ويروي ابن عباس أن الرسول كان يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه ليتابع جبريل فأنزل الله تعالى قوله "لا تُحَّرِكْ بهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَاْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ"، فكان الرسول بعد ذلك إذا أتاه جبريل بالوحي استمع له فإذا انتهى جبريل قرأه صلى الله عليه وسلم كما قرأه جبريل.
(٢) لقد أصاب المؤلف إذ فند قول من يدعون أن النبي كان يصاب بنوبة من نوبات الصرع حين ينزل عليه الوحي، وإنما الأمر أنه كان يكون في حالة إجهاد عقلي وجسمي، ولله تعالى يقول في سورة الحشر "لَوْ أنْزَلْنا هذا اْلقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله". (ي)