عملية في أغراضها عادية في أسلوبها، أما السور المكية فهي شعرية روحية وبها ينتهي الكتاب. وخليق بنا أن نبدأ بقراءته من نهايته (١).
وجميع السور ما عدا فاتحة الكتاب حديث من الله أو جبريل إلى النبي أو أتباعه أو أعدائه؛ وتلك هي الطريقة التي سار عليها أنبياء بني إسرائيل؛ وهي التي نراها في كثير من فقرات أسفار موسى الخمسة. وكان محمد يعتقد أنه ما من قانون أخلاقي يمكن أن يقع في النفوس وأن يُطاع طاعة تكفل للمجتمع النظام والقوة إلا إذا آمن الناس أنه منزل من عند الله. وهذه الطريقة تتفق مع الأسلوب الحماسي الفخم ومع البلاغة اللذين يسموان في
(١) لا يمكن الحكم على أسلوب القرآن بقراءة ترجمته، ولهذا لا يمكن القول إن أسلوب السور المدنية التي يبدأ بها المصحف أسلوب سهل أو أنه خليق بنا أن نبدأ بقراءته من نهايته. وأصدق من هذا قول المؤلف في موضع آخر إن لفة القرآن هي اللغة العربية الفصحى وإنه غني بالتشبيهات والاستعارات القوية الواضحة والعبارات الخلابة التي لا توائم ذوق الغربيين. وهذا ما يُستطاع تبينه من التراجم نفسها فضلاً عن لغة القرآن الأصلية. إن القرآن معجز بأسلوبه وبكل كلمة منه، ولو كان أسلوب بعض سوره سهلاً لما عجز العرب في عهد الرسول وهم أساطين الكرم والبلاغة أن يأتوا بسورة من مثله أو بعض آيات منه. إن القرآن بلغته وتعابيره وأسلوبه معجز كل الإعجاز وهو يختلف بطبيعة الحال باختلاف المقامات والأحوال، وإن كان ذلك كله في أعلى طبقة من البلاغة تنقطع الرقاب دون الإتيان بشيء قريب منه؛ وكفى أنه تنزيل من رب العالمين. (ي)