للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على مبدأ أخلاقي، أو تضع نظاماً للتجارة، أو الصناعة، أو عمل من الأعمال المالية (١).

ولكننا لسنا واثقين من أن محمداً كان يريد جمع هذه الأجزاء المتفرقة كلها في كتاب واحد، فقد كان كثير منها حديثاً لرجل بعيه في وقت بعينه (٢)، ويصعب فهمه دون معرفة واسعة بتاريخ ذلك الوقت وتقاليد أهله. وعدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، وهي مرتبة حسب طولها، لا بحسب نزولها فإن لك غير معروف، فهو يبدأ بالسور الطوال وينتهي بالقصار، وإذا كانت قصار السور بوجه عام أقدم عهداً من طوالها، فإن القرآن تاريخ مقلوب (٣). فالسور المدنية وهي التي يبدأ بها الكتاب


(١) بحث كثيرون من المفسرين مسألة مناسبة الآيات والسور وارتباطها بعضها ببعض، ومن العلماء من أفرد ذلك بالتأليف مثل برهان الدين البقاعي في كتاب سماه "نظم الدور في تناسب الآيات والسور" إلا أن كثيراً من المناسبات التي ذكرها لا يخلو من تكلف ولهذا يقول الشيخ عز الدين بن عبد السلام: "المناسبة علم حسن، ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيهِ ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث فضلاً عن أسخفه، فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شُرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربطه بعضه ببعض" (الإتقان للسيوطي ج‍٢ ص ١٠٨): ونقول نحن إن ورود القرآن على ما هو عليه من الاستطراد أحياناً في موضوعات مختلفة قد لا يكون بين بعضها والبعض الآخر رباط وثيق، مما يجعل القارئ يقبل على تلاوته دائماً بشوق وشغف ولا يحس من ذلك أقل ملل أو عدم انسجام، فهو ينتقل معه في فنون مختلفة من العلوم والمعارف التي لا يكاد يحصرها العد. (ي)
(٢) القرآن كلام الله نزل على نبيه. ومن الحق أنه لم يجمع كله في مصحف واحد أيام الرسول، لسبب طبيعي هو أنه كان يتوقع دائماً أن ينزل منه شيء جديد، إلا أنه قد كتب كله في عهده صلى الله عليه وسلم وبأمره وإن لم يجمع في كتاب واحد ولم تُرتب سوره. فلما انقضى عهد نزول القرآن بوفاة الرسول جاء حين كتابته في مصحف واحد وهو ما فعله الصحابة رضوان الله عليهم. (ي)
(٣) ترتيب السور فيما بينها وكذلك ترتيب آيات كل سورة أخذ عن الرسول نفسه ولم يراعَ في هذا الترتيب أن يكون حسب تواريخ النزول، ولذلك لا يمكن القول إن القرآن تاريخ مقلوب لأن قصار السور أقدم عهداً من طوالها بوجه عام. على أن مسألة تاريخ نزول القرآن، سوره وآياته، مسألة عني بها العلماء المحققون، وقد وصلوا من أبحاثهم إلى نتائج لها قيمتها الكبيرة، وإن لم يتفقوا جميعاً في هذا على رأي واحد. (راجع مثلاً "الإتقان" للسيوطي جـ ١ ص ٩ وما بعدها و"مقدمتين في علوم القرآن" نشرها المستشرق آرثر جفري وطبعا في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة سنة ١٩٥٤ م ص ٨ وما بعدها.