في معيشته، متقشفاً، رحيماً في حزم، يعنى شخصياً بجميع شؤون الإدارة والقضاء جليلها وصغيرها على السواء، لا يهدأ له بال حتى يأخذ العدل مجراه، وظل يعمل ولا يتقاضى أجراً على عمله، وظل شديد التقشف حتى أقنعه الشعب بأن ينزل قليلاً عن تقشفه، ثم أوصى قبل وفاته بأن يعود إلى بيت مال المسلمين كل ما أرغم على أخذه منه. وحسبت قبائل بلاد العرب أن تواضعه ضعف. وإذا كان بعضها لم يتمكن الإسلام من قلوب أفرادها، ومنهم من اعتنقه كارهاً، فقد ارتد هؤلاء عنه، وأبوا أن يؤدوا الزكاة التي فرضها عليهم الإسلام. ولما أصر أبو بكر على وجوب أدائها زحفوا على المدينة، وجمع أبو بكر جيشاً في ليلة واحدة، وقاده بنفسهِ في مطلع الفجر، وبدد به شمل العصاة (٦٣٢)، ثم أرسل خالد بن الوليد أشهر قواد المسلمين وأشدهم بطشاً، لقتال المرتدين في جزيرة العرب وإرغامهم على أداء الزكاة.
وربما كانت هذه الفتنة الداخلية من العوامل التي أدت إلى فتح العرب غربي آسية، ويلوح أن فكرة هذه المغامرة وهذا التوسع لم تكن تخطر ببال أحد من زعماء المسلمين حين تولى أبو بكر الخلافة. وحدث أن بعض القبائل العربية الضاربة في بلاد الشام رفضت المسيحية والخضوع للدولة البيزنطية، وصدت جيوش الإمبراطورية، وأرسلت تطلب النجدة من المسلمين، فأرسل إليها أبو بكر المدد، وعمل على نشر كراهية الدولة البيزنطية بين القبائل العربية. وكانت هذه فرصة مواتية لضم شتات العرب وتوحيد صفوفهم في حرب خارجية. وكان العرب-كما نعلم- قوماً ألفوا الحروب، فلبوا نداء أبو بكر لخوض غمارها وقد بدت في أول الأمر قصيرة الأجل. وسرعان ما أصبح بدو الصحراء المتشككون فيما مضى يضحون بحياتهم في سبيل نصرة الإسلام.
واجتمعت أسباب عدة عملت كلها على اتساع ملك العرب؛ فمن الأسباب الاقتصادية أن ضعف الحكومة النظامية في القرن السابق لظهور النبي قد أدى