إلى انهيار نظم الري في جزيرة العرب (١)، فضعفت من جراء ذلك غلات الأرض الزراعية، وحاقت بالسكان المتزايدين أشد الأخطار، ولهذا فقد تكون الحاجة إلى أرض صالحة للزرع والرعي من العوامل التي دفعت جيوش المسلمين إلى الغزو والفتح (٢). يضاف إلى هذا عدة أسباب: منها أن الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية قد أنهكتهما الحروب، وما حل بكلتيهما من الدمار على يد الأخرى، فكان ضعفهما مغرياً للعرب على غزو بلادهما، ولقد كانت الضرائب في ولايات الدولتين تزداد زيادة مطردة، والأداة الحكومية تزداد عجزاً عن تصريف شؤون الحكم وحماية الأهلين، كذلك كان للصلات العنصرية بين المسلمين وسكان بعض الولايات شأن غير قليل في هذا التوسع. فقد كان في الشام والعراق قبائل عربية لم تجد صعوبة في قبولها حكم العرب الغزاة أولاً، ثم اعتناق دينهم بعدئذ. يضاف إلى هذا عوامل دينية: منها أن اضطهاد بيزنطية لليعاقبة والنساطرة وغيرها من الشيع المسيحية قد أحفظ عليها قلوب أقلية كبيرة من السوريين والمصريين، بل تعداها إلى بعض الحاميات الإمبراطورية. ولما سار الفتح في طريقه زادت الأسباب الدينية قوة على قوتها؛ فقد كان قادة المسلمين من صحابة النبي المتحمسين، يصلون وهم يحاربون، ويصلون أكثر مما يحاربون، وقد بعثوا في قلوب أتباعهم على مر الأيام روحاً حماسية قوية اعتقدوا معها أن الموت في الجهاد يفتح لهم أبواب الجنة. وهناك فوق ذلك عوامل أخلاقية لها أيضاً شأنها في هذه الفتوح: ذلك أن المبادئ الأخلاقية المسيحية والرهبنة قد أضعفتا في بلاد الشرق الأدنى ذلك الاستعداد للقتال الذي كان من طبيعة العرب ومن تعاليم الإسلام. ولقد كانت جيوش العرب خيراً من جيوش الفرس والروم نظاماً وأحسن قيادة، يألفون المشاق وينالون جزاءهم من الفيء، لقد كان في وسعهم أن يحاربوا وبطونهم خاوية، ويعتمدوا على النصر في الحصول على طعامهم. ولكنهم لم يكونوا في حروبهم همجاً متوحشين، انظر إلى ما أوصاهم