به أبو بكر:"أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكله؛ وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له؛ وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منه شيئاً فاذكروا اسم الله عليه؛ وتلقون قوماً قد محضوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقاً … اندفعوا باسم الله إلخ"(٣).
ولم يكن الأعداء يخيرون بين الإسلام والسيف، بل كان الخيار بين الإسلام والجزية والسيف. وكانت هناك أخيراً أسباب حربية للغزو والفتح: ذلك أنه لما تضاعف عدد الجيوش العربية الظافرة ومن انظم إليها من المجندين كان لا بد من الزحف بهم إلى أرضين جديدة يفتحونها ليحصلوا منها على طعامهم وأجورهم إن لم يكن لغير ذلك من الأسباب. ونشأ من تقدمهم قوة هذا التقدم الدافعة، فكان كل نصر يتطلب نصراً جديداً، حتى أصبحت الفتوح العربية-التي كانت أسرع من الفتوح الرومانية، وأبقى على الزمان من الفتوح المغولية- أعظم الأعمال إثارة للدهشة في التاريخ الحربي كله.
وحدث في أوائل عام ٦٣٣، بعد أن بسط خالد بن الوليد "لواء السلم" على جزيرة العرب، أن دعته إحدى قبائل البدو الضاربة على حدود الجزيرة للانضمام إليها في محاربة بعض العشائر داخل حدود العراق، وقبل خالد وخمسمائة من رجاله للدعوة لأنهم لم يكونوا يطيقون التعطل أو الركون إلى السلم طويلاً، وانظم إليهم ألفان وخمسمائة من رجال القبائل، وغزوا أملاك الفرس. ولسنا نعلم هل وافق أبو بكر على هذه الحملة قبل الإقدام عليها أو لم يوافق، وسواء كان ذلك أو لم يكن فالظاهر أنه قبل ما أسفرت عنه من نتائج قبول الفلاسفة. واستولى خالد على الحيرة وأصاب فيها من الفيء