ونال كل فارس منه ما أنطق أبا بكر بمقالته الشهيرة:"يا معشر قريش عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خرازيله، أعجزت النساء أن ينشئن مثل خالد؟ "(٤). ولقد أصبحت المرأة وقتئذ ذات شأن كبير في تفكير الظافرين ومغانمهم. وشاهد ذلك أنه بينما كان العرب يحاصرون حمص أثار قائد شاب من قواد العرب حماسة الجنود بأن وصف لهم جمال فتيات الشام، ولما استسلمت الحيرة اشترط خالد على أهلها أن تعطي سيدة تدعى كرامة إلى جندي عربي قال إن النبي قد وعده بها "فاشتد على أهل بيتها، وأهل قريتها ما وقعت فيه فاعظموا الخطر فقالت: لا تخطروه ولكن اصبروا ما تخافون امرأة بلغت ثمانين سنة؟ فإنما هذا رجل أحمق رآني في شبيبتي فظن أن الشباب يدوم، فدفعوها إلى خالد، فدفعها خالد إليه، ثم افتدت منه نفسها بألف درهم، وكانت تسوى أضعاف ذلك (٥).
وقبل أن يستمتع خالد بثمار انتصاره في الحيرة بعث إليه الخليفة يأمره بالسير لإنقاذ قوة من العرب يتهددها جيش من الروم أكثر منها عدداً بالقرب من دمشق. وكان بين الحيرة ودمشق في الوقت شقة من الصحراء الجدباء الخالية من موارد الماء يقطعها المسافر في خمسة أيام. فجمع خالد الإبل؛ وسقاها الماء بوفرة؛ وكان الجند في أثناء زحفهم يأخذون الماء من بطون الإبل بعد ذبحها، ويسقون خيولهم لبنها. ولما أن وصل هو وجنوده إلى الجيش العربي الرئيسي المعسكر على ضفاف نهر اليرموك على بعد ستين ميلاً إلى الجنوب الشرقي من دمشق كانت تلك المؤن قد نفدت. وهناك كما يقول المؤرخون العرب هزم ٠٠٠، ٤٠ (٠٠٠، ٢٥؟) من العرب ٠٠٠، ٢٤٠ (٠٠٠، ٥٠؟) من الروم في إحدى المعارك الفاضلة التي لا حصر لها في التاريخ (٦٣٤). وهكذا قامر الإمبراطور هرقل ببلاد الشام كلها في معركة واحدة، فلما خسرها أصبحت تلك البلاد قاعدة الدولة العربية الآخذة في الاتساع.