وبينما كان خالد يقود جيوشه إلى النصر في هذه المعركة، إذ وصلته رسالة تنبئه بوفاة أبي بكر ويأمره فيها عمر الخليفة الجديد أن يتخلى عن القيادة لأبي عبيدة. وأخفى خالد الرسالة عن المسلمين حتى انتهت المعركة. وكان عمر أبو حفصة ابن الخطاب (٥٨٢ - ٦٤٤) أكبر معين لأبي بكر وأعظم مشيريه، وكان قد بلغ من الشهرة درجة لم يجد معها أحد سبباً للاعتراض حين اختاره أبو بكر خليفة للمسلمين من بعدهِ. غير أن عمر نفسه كان يختلف عن صديقهِ أبي بكر كل الاختلاف. كان طويل القامة، عريض المنكبين، حاد الطبع شديد الانفعال، لا يتفق معه إلا في بساطتهِ وتقشفهِ، وفي أنه كان مثله أصلع الرأس يصبغ لحيته. وكانت صروف الدهر وتبعات الحكم قد أنضجت عقله فجعلته مزيجاً عجيباً نادراً من حدة الطبع والقدرة على الحكم الهادئ الصادق؛ ويحكى عنه أنه ضرب بدوياً من غير حق ثم ألح عليه-دون جدوى-أن يكيل له الضربات بقدر ما كاله هو له. وكان شديد التمسك بالدين يطلب إلى كل مسلم ألا يحيد قيد شعرة عن الفضيلة. وكان يحمل معه درة يضرب بها كل من يراه من المسلمين خارجاً على أصول الدين (٦). وتقول بعض الروايات إنه ضرب ابنه حتى مات من الضرب لمعاقرته الخمر (٧). ويقول المؤرخون المسلمون إنه لم يكن له إلا قميص واحد، وجلباب واحد رقعه عدة مرات، وإنه كان يعيش على التمر وخبز الشعير، ولا يشرب غير الماء، وإنه كان ينام على سرير من جريد النخل، وهو لا يكاد يكون أقل صلابة وخشونة من قميص الشعر، وإن همه كله كان منصرفاً إلى نشر الإسلام بالسلم وبالحرب. ويقال إن أحد ولاة الفرس جاء إلى عمر يعرض عليه ولاءه، فوجد فاتح الشرق نائماً على عتبة جامع المدينة؛ ولكننا لا نجزم بصحة هذه القصص وأمثالها.
وكان السبب الذي من أجله عزل عمر خالداً من القيادة أن "سيف الله" كثيراُ ما لوث شجاعته بقسوته. ونظر القائد الباسل إلى مسألة تنحيته نظرة