للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملؤها الشهامة، وما هو أجمل من الشهامة؛ فقد وضع نفسه تحت تصرف أبي عبيدة بلا قيد ولا شرط. وأوتي أبو عبيدة من الحكمة ما جعله يتبع مشورة خالد في شؤون الحرب، ويعارض قسوته بعد النصر. وكان العرب فرساناً مهرة لا يضارعهم في مهارتهم خيالة الفرس والروم، ولم يكن في أوائل العصور الوسطى إنسان أو حيوان يستطيع أن يقاوم صيحاتهم الحربية العجيبة، أو حركاتهم العسكرية المحيرة، أو سرعة كرهم وفرهم؛ وكانوا يحرصون عن أن يختاروا للنزال الأراضي المستوية التي توائم حركات الفرسان. واستولوا على إنطاكية في عام ٦٣٦، وعلى بيت المقدس في عام ٦٣٨، ولم ينتهِ عام ٦٤٠ حتى كانت بلاد الشام في أيدي المسلمين، وقبل أن يختتم عام ٦٤١ كانوا قد أتموا فتح بلاد الفرس ومصر. ووافق البطريق سفرونيوس Sophronius على تسليم بيت المقدس إذا جاء الخليفة نفسه للتصديق على شروط التسليم، وقبل عمر هذا الشرط، وجاء من المدينة في بساطة أفخر من الفخامة، ومعه عدل من الحب وكيس من التمر، ووعاء ماء، وصحفة من الخشب. وخرج خالد وأبو عبيدة وغيرهما من قواد الجيش لاستقباله، فغضب حين أبصر ثيابهم المهفهفة، وعدد خيولهم المزركشة، وألقى بحفنة من الحصباء في وجوههم ولامهم على أنهم جاءوا يستقبلونه في ذلك الزي. وقابل سفرونيوس مقابلة ملؤها اللطف والمجاملة، ولم يفرض على المغلوبين إلا جزية قليلة، وأمن المسيحيين عل كنائسهم. ويقول المؤرخون المسيحيون إنه طاف مع البطريق ببيت المقدس، واختار في العشرة الأيام التي أقامها فيها موضع المسجد الذي سمي فيما بعد باسمهِ. ولما سمع أن أهل المدينة يخشون أن يتخذ بيت المقدس عاصمة للدولة الإسلامية عاد إلى عاصمته الصغيرة.

وما كاد الأمر يستتب للمسلمين في بلاد الشام وبلاد الفرس حتى أخذوا يهجرون من جزيرة العرب إلى الشمال والشرق، وكانت هذه الهجرة شبيهة