هذا النزاع من اضطراب وفوضى، إلا إذا استبدل به النظام الوراثي، فنادى بابنه يزيد وليَّاً للعهد، وأخذ له البيعة من جميع ولايات الدولة العربية.
ومع هذا فإنه لما مات معاوية (٦٨٠) اشتعلت نار الحرب من أجل وراثة العرش، كما اشتعلت في بداية حكمه. فقد أرسل مسلمو الكوفة إلى الحسين بن عليَّ يَعِدُونَهُ بتأييد اختياره للخلافة إذا جاءهم واتخذ بلدهم مقراً لها. وخرج الحسين من مكة ومعه أسرته وسبعون من أتباعه المخلصين له. ولما أصبحت تلك القافلة على بعد خمسة وعشرين ميلاً في شمال الكوفة قابلتها قوة من جند يزيد بقيادة عبيد الله، وعرض حسين أن يسلم، ولكن من كانوا معه أبوا إلا القتال. وأصاب أحد السهام الأولى قاسماً ابن أخي الحسين وهو غلام في العاشرة من عمره، فمات بين ذراعي عمه، ثم سقط من بعده أخوة الحسين وأبناؤه، وبنو أعمامه، وأبناء أخوته واحداً بعد واحد، حتى لم يبقَ أحد ممن كانوا معه، واستولى الرعب والهلع وقتئذ على النساء؛ ولما حمل رأس الحسين إلى الكوفة أقبل عبد الله ينكثه بالقضيب؛ فقال له أحد الحاضرين:"ارفع قضيبك فطال والله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فمه على فمه يلثمه"(١١)(٦٨٠). وأقام الشيعة في كربلاء حيث قتل الحسين مشهداً عظيماً تخليداً لذكراه، ولا يزالون حتى اليوم يمثلون في كل عام مأساة قتله، ويظهرون في ذلك أشد الحزن والأسى، ويمجدون ذكرى عليّ وولديه الحسن والحسين.
كذلك ثار على يزيد عبد الله بن الزبير، ولكن جنود يزيد السوريين هزموه وحاصروه في مكة، وسقطت الحجارة من مجانيقهم في فناء الكعبة، وأنكسر منها الحجر الأسود ثلاث قطع، واشتعلت النار في الكعبة نفسها، والتهمتها عن آخرها (٦٨٣). ثم رفع الحصار عنها فجأة، فقد مات يزيد واحتيج إلى الجيش في دمشق. وأعقب موته سنتان سادت فيهما الفوضى وتولى الخلافة فيها ثلاثة من الخلفاء جاء بعدهم عبد الملك بن مروان ابن عم معاوية فقضى على