للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وناصر الموسيقى والآداب، وأظهر في حكم البلاد كفاية ممتازة. وكانت بيزنطية قد انتهزت فرصة الثورة العباسية لاستعادة بعض الأقاليم التي فتحها العرب في آسية الصغرى، فسير عليها المهدي جيشاً بقيادة ابنه هرون لاسترداد هذه البلاد. وأخرج هرون الروم منها وردهم إلى القسطنطينية، وهدد تلك المدينة نفسها تهديداً اضطر الإمبراطورة إيرينية (١) Irene أن تعقد معه صلحاً تعهدت بمقتضاه أن تؤدي للخليفة جزية سنوية مقدارها ٧٠. ٠٠٠ دينار (٨٣٢. ٠٠٠ دولار) (٧٨٤). ومن ذلك الوقت أطلق المهدي على ابنه اسم هرون الرشيد. وكان قبل ذلك قد اختار ابناً آخر من أبنائه اسمه الهادي ولياً للعهد، فلما رأى ما امتاز به هرون من كفاية عظيمة طلب إلى الهادي أن ينزل عن حقه لأخيه الأصغر. وكان الهادي وقتئذ يقود جيشاً في بلاد الشرق فأبى أن يجيب أباه إلى طلبهِ، ورفض أن يطيع أمره بالعودة إلى بغداد. فخرج المهدي وهرون للقبض عليه، ولكن المهدي توفي في الطريق، وكان حين وفاته في الثالثة والأربعين من عمره. ورأى هرون اتباعه لنصيحة الوزير يحيى بن خالد البرمكي أن يبايع الهادي بالخلافة، على أن يكون هو ولياً للعهد، غير أنه كان في وسع عشرة من الدراويش أن يناموا على بساط واحد فإن ملكين لا تتسع لهما مملكة بأكملها كما يقول السعدي (١٧) في كتابه. فلم يعترف الهادي لأخيه بولاية العهد، وسجن يحيى، ونادى بابنه ولياً لعهده. ثم مات الهادي بعد زمن قصير (٧٨٦)، وراجت إشاعة بأن أمه وكانت تفضل عليه هرون، كتمت أنفاسه بوسادة وضعتها على فمه. وارتقى هرون العرش، واتخذ يحيى وزيراً له، وبدأ أشهر حكم في تاريخ الإسلام.

وتصور لنا القصص-وخاصة ألف ليلة وليلة-هرون الرشيد في صور الملك المرح، المثقف، المستنير، العنيف في بعض الأوقات، الكريم الرحيم في أغلب الأحيان، الولع بالقصص الجميلة ولعاً يحمله على أن يسجلها ويحتفظ


(١) هكذا يسميها المؤرخون العرب. (المترجم)