للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها في ديوان محفوظات الدولة (١٨). وتبدو هذه الصفات كلها فيما كتبه عنه المؤرخون إذا استثنينا منه مرحه؛ ولعل السبب في ذلك أن هذا المرح قد أغضب المؤرخين. فهم يصورونه أولاً وقبل كل شيء في صورة الرجل الورع المتمسك، أشد التمسك بأوامر الدين، ويقولون إنه فرض أشد القيود على حرية غير المسلمين، وإنه كان يحج إلى مكة مرة كل عامين، وإنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة نافلة مع الصلوات المفروضة (١٩). ويقال إنه كان يشرب الخمر، ولكن هذا لم إلا سراً مع عدد قليل من خاصة أصدقائه (٢٠). ويقال إنه تزوج من سبع نساء (١) وكان له عدد من السراري رزق منهن بأحد عشر ولداً، وأربع عشرة بنتاً، كلهم وكلهن من الجواري عدا الأمين ابنه من الأميرة زبيدة. وكان كريماً سمحاً في أمواله على اختلاف أنواعها. من ذلك أنه لما أحب ولده المأمون إحدى فتيات قصر أبيه، أهداها إليه الخليفة، ولم يسأله ثمناً لها أن ينظم بعض أبيات من الشعر (٢١)، لأنه كان يحب الشعر أشد الحب، ويستمتع به استمتاعاً يحمله في بعض الأحيان على أن يثقل الشاعر الذي يعجب بشعره بالهدايا من غير حساب. من ذلك أنه أهدى الشاعر مروان على قصيدة مدحه بها خمسة آلاف قطعة من الذهب (٧٥٠، ٢٣ دولار) (٢)، وحلة ثمينة، وعشر جوار من بنات الروم، وجواداً كريماً (٢٢). وكان أحب رفاقه إليه الشاعر الماجن أبو نواس. وكان كثيراً ما يغضب على أبي نواس لسفهه وسوء سيرته، ولكنه كان في كل مرة يصفح عنه لجودة شعره. وقد جمع حوله في بغداد عدداً عظيماُ من الشعراء، والفقهاء، والأطباء، والنحويين وعلماء البلاغة، والراقصات والراقصين، والفنانين، والفكهين المرحين. وكان ينقد أعمالهم وأقوالهم نقد العالم الخبير صاحب الذوق السليم، ويجزيهم عليها بسخاء،


(١) لعل المؤلف يضيف الجواري إلى الأزواج لأن الإسلام يحرم الزواج بأكثر من أربع. (المترجم)
(٢) يقصد المؤلف بقطة الذهب في هذه الفصول الدينار ويقدره بأربعة دولارات أمريكية وثلاثة أرباع الدولار من نقود هذه الأيام، حسب القوة الشرائية للدينار في تلك الأيام. (المترجم)