للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السر، وأفضت به إلى هرون. فبعث في طلب مسرور كبير الجلادين وأمره بقتل العباسة ودفنها في قصره، وأشرف هو بنفسه على تنفيذ هذا الأمر. ثم أمر مسرور أن يضرب عنق جعفر، وأن يأتي إليه برأسه، ونفذ مسرور أمر مولاه. ثم بعث إلى المدينة من يأتيه بولديه، وبعد أن تحدث طويلاً إلى الطفلين الوسيمين، وأبدى إعجابه بهما أمر بقتلهما (٨٠٣). ثم سجن يحيى والفضل، وسمح لهما بأن يحتفظا بأسرتيهما وخدمهما، ولكنه لم يطلق سراحهما. ومات يحيى بعد عامين من مقتل ولده، كما مات الفضل بعد خمسة أعوام من مقتل أخيه، وصودرت جميع أموال البرامكة، ويقال إنها بلغت ٣٠. ٠٠٠. ٠٠٠ دينار (١٢٤. ٥٠٠. ٠٠٠ دولار أمريكي).

ولم تطل حياة هرون بعد نكبة البرامكة. وظل وقتاً ما يخفف من حزنه وندمه بالعمل الكثير، ويقال إنه كان يرحب بمشاق الحرب نفسها. ولما أن امتنع نقفور الأول إمبراطور بيزنطية عن أداء الجزية التي وعدت إيرينة بأدائها، وجرؤ على المطالبة برد ما أدته الإمبراطورة منها رد عليه هرون بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم. من هرون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، أما بعد، فقد تلقيت رسالتك يا ابن الكافرة، وسيكون الجواب كما تراه عيناك لا ما تسمعه أذناك والسلام" (٢٧). وسار إلى ميدان القتال من فوره، واتخذ مقامه في الرقة ذات الموقع الحربي المنيع على حدوده الشمالية، ونزل إلى الميدان على رأس حملة قوية اخترق بها آسية الصغرى، وقذفت الرعب في قلب نقفور فلم يسعه إلا أن يعود إلى أداء الجزية (٨٠٦) ورأى الرشيد أن يصطنع شارلمان ليرهب بهِ إمبراطور الروم … فأرسل إليهِ وفداً مثقلاً بالهدايا منها فيل وساعة مائية معقدة التركيب.

ولم يكن هرون وقتئذ قد جاوز الثانية والأربعين من عمره، ومع هذا فإن ولديه الأمين والمأمون شرعا يتنافسان على الخلافة ويتطلعان إلى موته. وأراد هرون أن يخفف من حدة النزاع فقرر أن يرث المأمون الولايات الواقعة في شرق