يؤدي اكبر ثمن لها، وأراد أن يستميل أهل السنة باضطهاد الخارجين عليها، وحرض ابنه حرسه التركي على قتله، وتولى الخلافة من بعده وتسمى بالمنتصر بالله.
وأفسدت العوامل الداخلية أحوال الخلافة قبل أن تقضي عليها القوى الخارجية: فقد أنهك قوى الخلفاء إدمانهم الشراب، وانهماكهم بالشهوات، واللهو، والترف، والبطالة، فجلس على سرير الملك طائفة من الخلفاء الضعفاء فروا من مهام الحكم إلى ملذات الحريم المضعفة للجسم والعقل. وكان لازدياد الثروة، واستمهاد الراحة، وانتشار التسري وتفشي اللواط، كان لهذه الرذائل من الأثر في طبقة الحكام لها في الخلفاء، وتعدى ذلك إلى الشعب نفسه، فضعفت صفاته الحربية. ولم يكن من طبيعة هذا الضعف وعدم النظام أن يخلق اليد القوية التي كانت البلاد في أشد الحاجة إليها لتجمع شتات هذا الخليط المتفرق المتباين من الولايات والقبائل. وكثيراً ما أسفرت العداوة العنصرية والإقليمية عن ثورات، فلم يكن العرب، والفرس، والسوريون، والبربر، والمسيحيون، واليهود، والأتراك، لم يكن هؤلاء جميعاً يجتمعون إلا على احتقار بعضهم بعضاً، وزاد الطين بلة أن الدين الذي كان من قبل يجمع شملهم ويوحد صفهم قد تفرق شيعاً، وزادت حدة الانقسامات السياسية والجغرافية، وكانت هي المعبرة عن هذه الانقسامات. وكان لإهمال وسائل الري أثر كبير في ضعف الدولة وفساد أحوالها. وذلك أن نظام الري هو مصدر حياة بلاد الشرق الأدنى وهلاكه معاً. فالقنوات التي تمد الأرض بالماء تحتاج على الدوام إلى الكثير من الحراسة والتطهير يعجز عنها الأفراد والأسر. فلما عجزت الحكومة عن تعهد هذه القنوات أو أهملتها، قلت موارد الطعام عن مجاراة نسبة ازدياد السكان، وكان لابد من أن يهلك الناس من الجوع حتى لا يختل التوازن بين هذين العاملين الأساسيين اللذين لهما شأن عظيم في تاريخ العالم. غير أن ما حل بالأهلين من فقر بسبب القحط والوباء لم يكن في معظم الأوقات ليغل أيدي جباة الضرائب أو يخفف من قسوتهم. فكان