للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقدسة في أشهر الحج ملتقى المسلمين من كافة الأمم، والأجناس والطبقات، يشتركون كلهم على قدر المساواة في مناسك الحج وفي الصلاة، فإذا دخلوا المسجد الحرام الفسيح الجنبات شغلتهم نشوتهم الروحية عن ملاحظة المآذن الرفيعة التي فوق الجدران، وعما فيه من عقود وعمد. وعند بئر زمزم التي يقال عنها إنها أطفأت ظمأ إسماعيل يقفون خاشعين، ويشرب الحجاج من مائها مهما تكن حرارته ومهما يكن تأثيره، ومنهم من يحمل هذا الماء معه إلى وطنه ليشرب منه في بعض أيامه وحين تحضره الوفاة (١). ويصل الحجاج آخر الأمر، وكلهم عيون شاخصة يلهثون من التعب، إلى قلب المسجد، إلى الكعبة نفسها، وهي بناء صغير الحجم مضاء من داخله بمصابيح من الفضة معلقة في سقفه، ومكسوة جدرانها الخارجية بكسوة من الحرير الثمين، وفي أحد أركانه الحجر الأسود الشهير. ويطوف الحاج سبع مرات حول الكعبة، ويقبل الحجر الأسود أو يلمسه أو ينحني تعظيماً له. ومن الحجاج من يقضون الليلة كلها في داخل المسجد غير عابثين بما عانوا من شدة التعب والسهر، يجلسون على أبسطة يتحدثون، ويصلون ويفكرون في دهشة ونشوة في الغرض الذي جاءوا من أجله.

وفي اليوم الثاني (٢) يسعى الحجاج سبع مرات بين الصفا والمروة، وهما في خارج المدينة، إحياء لذكرى هاجر وهي تبحث عن الماء لتروي به ولدها. وفي اليوم السابع يخرج من يبغون "الحج الأكبر" إلى جبل عرفات الذي يبعد عن


(١) من الحجاج من يصر على التزود من ماء زمزم والاحتفاظ بشيء منه في عودته إلى بلده ولكنا لا نعلم ولا نظن أن منهم من يستبقِ شيئاً منه ليشربه حين تحضره الوفاة. (ي)
(٢) السعي بين الصفا والمروة لا يكون في اليوم الثاني من الوصول إلى مكة، بل إن هذا السعي واجب يوم وصوله إليها وطوافه بالكعبة بالمسجد الحرام. وهذا الطواف يسمى طواف القدوم أو طواف التحية أيضاً (راجع الكتاب السابق ج‍٢ ص ٢٢٢ - ٢٢٤). (ي)