للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والورع يجمع بين بدو الصحراء والفقراء وتجار المدن الأثرياء، وبين البربر وزنوج إفريقية، والشوام، والفرس، والأتراك، والتتار، والهنود المسلمين، والصينيين والمصريين، وغيرهم من الشعوب الإسلامية-يرتدون كلهم ثياباً بسيطة واحدة، ويتلون كلهم أدعية واحدة بلغة واحد وهي اللغة العربية، ولعل هذا هو السبب في ضعف حدة الفوارق العنصرية في الإسلام. وقد يبدو لغير المسلمين أن الطواف حول الكعبة من الأعمال التي لا تنطبق على العقل. ولكن المسلم يبتسم حين يرى أمثال هذه العادة في الأديان الأخرى، ويهوله أن يرى المسيحيين في إحدى شعائرهم "يأكلون الله". فالمسلمون لا يفهمون في هذا الطواف إلا أنه رمز خارجي لصلة روحية وغذاء روحي. وفي الأديان كلها ما يبدو لغير أصحابها أنه مما يعز على الأفهام.

والأديان جميعها مهما يكن من نيل أصولها، لا تلبث أن تحشر فيها طائفة من الخرافات لا صلة بينها وبين مبادئها الأولى، وإنما تنشأ بطبيعتها من العقول التي خيم عليها وأنهكها تعب الجسم ورهبة الروح في كفاحها للخلود. لهذا نرى أن معظم المسلمين (١) يؤمنون بالسحر (٢)، وقلما يشكون في قدرة السحرة على التنبؤ بالغيب والكشف على الكنوز المخبوءة، وغرس الحب في النفوس وتعذيب الأعداء، وشفاء المرضى، واتقاء الحسد. ومنهم من يعتقد في قدرة البعض على مسخ الإنسان إلى حيوان أو نبات، أو الانتقال من مكان إلى مكان بوسائل معجزة خارقة. وتلك العقائد هي المحور الذي تدور عليه قصص ألف ليلة. ففيها ترى الأرواح في كل مكان تحتال بضروب السحر وغيره على الأحياء، وتستولد النساء غير الحريصات ما لا يشتهين من الأبناء ويلبس معظم المسلمين (٣) كما يلبس نصف المسيحيين تمائم لترد عنهم ضروباً مختلفة من الشرور، ويعتقدون


(١) يقصد المؤلف بقوله معظم المسلمين غير المتعلمين ويلاحظ أنه يقول: إن هذه كلها ليست من الدين بل هي من الخرافات التي لا صلة بينها وبين مبادئه الأولى. (المترجم)
(٢) أصح من هذا أن يقول: عامة المسلمين أو جهالهم الذين يؤمنون بالسحر كما يؤمن به الجهال في كل أمة. (المترجم)