يوحنا الدمشقي خازن بيت المال في عهد عبد الملك بن مروان، وكان يوحنا نفسه وهو آخر آباء الكنيسة اليونانية، رئيس المجلس الذي كان يتولى حكم دمشق. وكان المسيحيون في بلاد الشرق يرون أن حكم المسلمين أخف وطأة من حكم بيزنطية وكنيستها.
وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة، اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين، وجميع الزرادشتيين، والوثنيين إلا عدداً قليلاً جداً منهم، وكثيرون من اليهود في آسية، ومصر وشمالي أفريقية. فقد كان من مصلحتهم المالية أن يكونوا على دين الطبقة الحاكمة، وكان في وسع أسرى الحروب أن ينجوا من الرق إذا نطقوا بالشهادتين ورضوا بالختان. واتخذ غير المسلمين على مر الزمن اللغة العربية لساناً لهم، ولبسوا الثياب العربية، ثم انتهى الأمر بإتباعهم شريعة القرآن واعتناق الإسلام. وحيث عجزت الهلينية عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام، وحيث تركت الجيوش الرومانية الآلهة الوطنية ولم تغلبها على أمرها، وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحية خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي، في هذه الأقاليم كلها انتشرت العقائد والعبادات الإسلامية، وآمن السكان بالدين الجديد وأخلصوا له، واستمسكوا بأصوله إخلاصاً واستمساكاً أنسياهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدة من الصين، وأندونيسيا، والهند، إلى فارس، والشام، وجزيرة العرب، ومصر وإلى مراكش، والأندلس؛ وتملك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث فيهم آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها، وأوحى إليهم العزة والأنفة، حتى بلغ عدد من يعتنقونه ويعتزون به في هذه الأيام نحو ثلاثمائة وخمسين مليوناً من الأنفس، يوحد هذا الدين بينهم، ويؤلف قلوبهم مهما يكن بينهم من الاختلافات والفروق السياسية.