للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنساء، والطريقة الصحيحة لتصفيف الشعر، ويروى أن أحد الفقهاء لم يأكل البطيخ قط لأنه لم يجد في القرآن أو الحديث ما يعرف من الطريقة الصحيحة التي يأكله بها (٧٦). ولقد كان من شأن كثرة ما يسن من القوانين أن تحول بين تطور المجتمع الإسلامي، ولكن اختلاف الآراء في القانون الواحد وتجاوز منفذي القانون عن مخالفته في بعض الأحيان قد وفقا بين قسوة التشريع من جهة وقسوة الحياة وتطورها من جهة أخرى. غير أنه رغم هذا، ورغم انتشار مذهب أبي حنيفة وما فيه من تسامح وحرية، فإن النزعة الغالبة على الشرائع الإسلامية هي النزعة المحافظة والاستمساك القوي بالسنن استمساكاً يعطل التطور الحر للأنظمة الاقتصادية، والآداب الشخصية والتفكير (١).

ولا يسعنا إلا أن نسلم-مع هذه التحفظات-بأن الخلفاء الأولين من أبي بكر إلى المأمون قد وضعوا النظم الصالحة الموفقة للحياة الإنسانية في رقعة واسعة من العالم، وأنهم كانوا من أقدر الحكام في التاريخ كله. ولقد كان في مقدورهم أن يصادروا كل شيء، أو أن يخربوا كل شيء، كما فعل المغول أو المجر أو أهل الشمال من الأوربيين؛ لكنهم لم يفعلوا هذا بل اكتفوا بفرض الضرائب. ولما أن فتح عمرو مصر أبى أن يستمع إلى نصيحة الزبير حين أشار عليه بتقسيم أرضها بين العرب الفاتحين، وأيده الخليفة في هذا الرأي وأمره أن يتركها في أيدي الشعب يتعهدها فتثمر (٧٧). وفي زمن الخلفاء الراشدين مسحت الأراضي، واحتفظت الحكومة بسجلاتها، وأنشأت عدداً كبيراً من الطرق وعنيت بصيانتها، وأقيمت الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها، وكان العراق قبل الفتح الإسلامي صحراء جرداء فاستحالت أرضها بعده جناناً فيحاء، وكان كثير من أرض فلسطين قبيل الفتح رملاً وحجارة فأصبحت خصبة، غنية، عامرة بالسكان (٧٨). وما من شك


(١) وهذا ما لا نوافق عليه المؤلف وما لا يتفق مع الواقع؛ فالإسلام بشهادة كثيرين من علماء الغرب سمح لا يعطل التفكير أو الاقتصاد أو الآداب. (المترجم)