اليعقوبي في عام ٨٩١ يقول إن حمص أكبر مدن الشام، وكتب الاصطرخي في عام ٥٩٠ يقول إن شوارعها وأسواقها كلها تقريباً مرصوفة بالحجارة. ويقول المقدسي إن نساؤها ذوات جمال رائع وبشرة رقيقة (٨٣).
ولما اتسعت الدولة العربية نحو الشرق رؤى أن من مصلحتها أن تكون عاصمتها في موضع أقرب إلى وسطها من مكة أو بيت المقدس. وقد أحسن بنو أمية إذ اختاروا دمشق عاصمة لدولتهم-وكانت هذه المدينة ذات تاريخ قديم حين أقبل عليها العرب فاتحين. وكان يلتقي عندها خمسة أنهار، تجعل الإقليم الذي من خلفها "جنة الشرق" بحق، وتمد بالماء مائة فسقية، ومائة حمام عام، ومائة وعشرين ألف بستان (٨٤)، ثم تجري نحو الغرب إلى "وادي البنفسج" الذي يبلغ طوله اثني عشر ميلاً وعرضه ثلاثة أميال. ويقول الإدريسي إن "مدينة دمشق من أجل بلاد الشام وأحسنها مكاناً، وأعدلها هواء، وأطيبها ثرى، وأكثرها مياهاً، وأغزرها فواكه، وأعمها خصاً، وأوفرها مالاً وأكثرها جنداً (١).
وفي قلب هذه المدينة وبين سكانها الذين يبلغون نحو مائة وأربعين ألفاً يقوم قصر الخليفة الذي شاده معاوية الأول، والذي يلمع فيه الذهب والرخام، وتتلألأ في أرضه وعلى جدرانه الفسيفساء، والذي تلطف جوه الفساقي والشلالات التي يتدفق منها الماء على الدوام. وفي الناحية الشمالية من المدينة يقوم مسجدها العظيم وهو واحد من اثنين وسبعين وخمسمائة مسجد في المدينة، والأثر الوحيد الباقي من دمشق الأموية. وكان موضعه في أيام الروم يزدان بهيكل لجوبتر، ثم أقام ثيودوسيوس الأول على أنقاضه كنيسة يوحنا المعمدان (٣٧٩). وعرض الخليفة الوليد الأول على المسيحيين حوالي عام ٧٠٥ أن يعدل بناء الكنيسة
(١) ويضيف إلى ذلك "ولها جبال ومزارع تعرف بالغوطة … وبها ضياع كالمدن ولم يقل الإدريسي إنها أجل بلاد (الله الخ كما قال المؤلف). (المترجم)