للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الطراز الثاني من العقود أول ما اقيم من نوعه في بلاد الإسلام (١). وأرض المسجد من الفسيفساء وقد غطيت بالطنافس، كما غطيت جدرانه بالفسيفساء المصنوعة من الرخام الملون وبالقاشاني المطعم بالميناء، وفي داخل المسجد ستة حواجز جميلة من الرخام تقسم داخله إلى عدة إيونات. وفي أحد جدرانه المتجهة نحو مكة محراب مرصع بالذهب والفضة والحجارة الكريمة، ويدخل الضوء إلى المسجد من أربعة وسبعين شباكاً من الزجاج الملون ومن اثني عشر ألف قنديل. ويصفه أحد الرحالة بقولهِ: "لو أن رجلاً من أهل الحكمة اختلف إليه سنة لأفاد منه كل يوم صفة وعقدة أخرى" (٢).

وسمح لأحد سفراء اليونان أن يدخل المسجد فلما شاهده التفت إلى رفاقه وقال لهم: "لقد قلت لأعضاء مجلس الشيوخ في بلادي إن سلطان العرب سيزول عما قريب، أما الآن وأنا أرى كيف كانوا يشيدون عمائرهم فقد علمت علم اليقين أن سلطانهم سيدوم أحقاباً طوالاً" (٣).

وإذا اتجه الإنسان من دمشق نحو الشرق واجتاز الصحراء وصل إلى الرقة على نهر الفرات حيث كان يقيم الخليفة هارون الرشيد؛ فإذا عبر نهر دجلة وصل


(١) وأقدم ما عرف من العقود المصنوعة على شكل حذاء الفرس عقد في هيكل في كهف ببلدة نازك في الهند لعل تاريخه يرجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد (٨٦). ثم استخدم هذا الطراز في كنيسة مسيحية شيدت نصيبين بالعراق عام ٣٥٩ م.
(٢) هذا من قول المقدسي وفي الأصل الإنجليزي "مائة سنة" ولكن المقدسي يقول سنة واحدة.
(٣) وأتلفت النار أجزاء كثيرة من مسجد دمشق العظيم في عام ١٠٦٩ ثم جدد بناؤه، ولكن تيمورلنك أحرقه حتى لم يكد يبقى منه شيء في عام ١٤٠٠. ثم أعيد بناؤه مرة أخرى، ثم أتلفته النيران إتلافاً شديدا في عام ١٨٩٤. وبعد هذا حل الجص والجير محل النقوش القديمة. وفي وسع الإنسان أن يشاهد حتى الآن النقش الذي كان يعلو إسكفه الكنيسة المسيحية، والذي لم يمحه المسلمون. ونص هذا النقش هو "مملكتك أيها المسيح مملكة خالدة، وسلطانك باق إلى أبد الدهر" (٨٨).