إلى الموصل، وعلى مسافة منها اتجاه الشمال الشرقي أيضاً تقع مدينة تبريز التي بلغت ذروة مجدها بعد ذلك العهد الذي نتحدث عنه. وإلى شرقها تقوم مدينة طهران (وكانت لا تزال وقتئذ بلدة صغيرة)، ثم تليها دامغان وبعدها-في شرف بحر الخرز-تقع جرجان. وكانت هذه البلدة الأخيرة في القرن العاشر الميلادي قاعدة إحدى الولايات الإسلامية، واشتهرت وقتئذ بمن كان فيها من الأمراء المثقفين، أشهرهم كلهم شمس المعالي قابوس، الشاعر العالم الذي استضاف ابن سينا في بلاطه، والذي ترك وراءه مدفناً له على شكل برج ضخم يعلو الجو ١٦٧ قدماً يعرف باسم جنبادي قابوس، وهو البناء الوحيد الذي بقي حتى الآن من تلك المدينة التي بلغت في أيامه درجة عظيمة من الرخاء وكثرة السكان. وعلى الطريق الشمالي المتجه نحو الشرق تقوم مدينة نيسابور، التي لا يزال الناس يرددون اسمها في شعر عمر الخيام، وتليها مشهد المدينة المقدسة عند المسلمين الشيعة؛ ثم مرو التي كانت في وقت ما قاعدة لإحدى الولايات الكبرى؛ ثم بخارى وسمرقند-وكانتا في العادة بعيدتين على منال أيدي الجباة. وعلى سلاسل الجبال الجنوبية تقع مدينة غزنة. ويحدثنا الشعراء عن قصور أميرها محمود الغرنوي الفخمة، وعن أبراجها العالية التي تطاول قمر السماء. ولا يزال يقوم فيها حتى اليوم "برج النصر" الذي شاده السلطان محمود، وبرج آخر أجمل منه شاده محمود الثاني، وكان الإنسان إذا رجع نحو الغرب في القرن الحادي عشر التقى بنحو عشرة مدينة زاهرة في إيران-هيراة، شيراز (ذات الحدائق الغناء الذائعة الصيت والمسجد العظيم)، ويزد، وأصفهان، وكاشان، وقزوين، وقوم وهمذان، وكرمنشاه، وسامانا؛ ثم التقى في العراق بمدينتي البصرة والكوفة العامرتين بالسكان. وكان السائح يشاهد في كل مكان يمر به قباباً براقة، وآذن متلألئة، ومدارس، ودوراً للكتب، وقصوراً، وحدائق، وبيمارستانات، وحمامات، وأزقة ضيقة مظلمة حيث يسكن الفقراء. ثم يصل المسافر آخر الأمر إلى بغداد