للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي يتغنى بها الشاعر الأتوري في شعر فارسي يقول:

طوبى لك يا بغداد مدينة العلم والفن، التي لا يستطيع إنسان أن يجد بين مدن العالم كله مدينة أخرى تناظرها، إن أرباضها لتنافس في جمالها قبة السماء الزرقاء، وإن مناخها ليضارع نسيم السماء الذي يبعث الحياة في الأجسام، وأحجارها تضارع في تلألؤها الماس والياقوت … وإن شواطئ دجلة ومن عليها من الفتيات الحسان لتفوق بلخ؛ وجناتها المليئة بالحور العين لتعدل في ذلك كشمير، وآلاف القوارب ترقص وتلألأ فوق الماء تلألؤ أشعة الشمس في الهواء (٥٩).

وكان في موقع بغداد مدينة بابلية قديمة، وهي لا تبعد كثيراً عن موقع بابل القديمة، وقد عثر في عام ١٨٤٨ تحت مجرى نهر دجلة على قطع من الآجر منقوش عليها اسم نبوخذنصر. وازدهرت المدينة القديمة في عهد الملوك الساسانيين، ثم أنشئت فيها بعد الفتح الإسلامي عدة أديرة مسيحية، معظمها للنساطرة. ويحدثنا المؤرخون أن الخليفة المنصور عرف من رهبان تلك الأديرة أن هذا الموقع معتدل الجو في الصيف، وخالٍ من البعوض الذي يكثر في البصرة والكوفة. ولعل الخليفة قد رأى أن من الحكمة أن يبتعد عن هاتين المدينتين المساكستين، اللتين كانتا في ذلك الوقت البعيد غاصتين بالصعاليك الثوريين، وما من شك في أنه وجد في موقعهما هذا ميزة حربية، فهو أمين في داخل البلاد، ولكنه على اتصال مائي بجميع المدن الكبرى القائمة على النهرين عن طريق نهر دجلة والقنوات الكبرى المتصلة بهِ؛ وعن طريق هذا النهر والقنوات يتصل أيضاً بالخليج الفارسي وبجميع ثغور العالم. من أجل هذا كله نقل مقره هو من الهاشمية كما نقل دواوين الحكومة من الكوفة إلى بغداد، وأحاط ذلك الموقع بثلاثة أسوار دائرية وخندق، واستبدل ببغداد اسمها القديم ومعناه "هبة الله" اسماً جديداً هو مدينة السلام، واستخدم مائة الف من العمال في بناء أربعة قصور عظيمة من الآجر له ولأهلة ولدواوين الحكومة. وكان يقوم في وسط