٨٠٠. ٠٠٠، وإن كان بعض المؤرخين يقدرونهم بمليونين (٩٠). ومهما يكن عددهم فإن المدينة كانت في القرن العاشر الميلادي أكبر مدن العالم على الإطلاق، مع جواز استثناء القسطنطينية من هذا التعميم. وكان فيها حي للمسيحيين مزدحم بهم، تقوم فيه كنائس، وأديرة، ومدارس؛ وكان لكل من النساطرة، واليعاقبة، والمسيحيين أصحاب العقيدة الصحيحة، أمكنة عبادتهم الخاصة بهم. وقد جدد هارون بناء مسجد أقامه المنصور ووسعه، ثم جدد المعتمد بناء هذا المسجد نفسه وزاد مساحته. وما من شك في أن مئات من المساجد قد شيدت ليتعبد فيها سكان المدينة.
وبينما كان الفقراء يواسون أنفسهم في حياتهم الشاقة بأملهم في نعيم الدار الآخرة، كان الأغنياء يستمتعون على الأرض بنعيم الجنة. ذلك أنهم شادوا في بغداد أو بالقرب منها عشرات المئات من القصور الفخمة، والبيوت ذات الحدائق، والدور التي تبدو بسيطة من الخارج ولكنها كانت في الداخل "لازورداً وذهباً". وفي وسعنا أن نتصور ما كانت عليه من الفخامة من وصف لها بقلم أبي الفداء لا يكاد يصدقه العقل يقول فيهِ إن قصر الخليفة في بغداد قد فرشت على أرضه ٢٢. ٠٠٠ طنفسة، وعلقت على جدرانه ٣٨. ٠٠٠ قطعة من القماش المزركش و ١٢. ٥٠٠ قطعة من الحرير (٩١). وكانت قصور الخليفة وأسرته ومساكن الوزير ورؤساء دواوين الحكومة تشغل في المدينة الشرقية مساحة قدرها ميل مربع (١). وبدأت منذ أيام جعفر البرمكي هجرة الطبقة الموسوة إلى بغداد حين شاد لنفسه في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة قصراً فخماً كانت عظمته من أسباب هلاكه. وقد حاول جعفر أن يتقي حسد هارون الرشيد فأهدى هذا القصر إلى المأمون، وقبل الرشيد الهدية لابنه، ولكن جعفر ظل يعيش وينعم في القصر الجعفري" إلى آخر أيام حياته. ولما أخذت قصور المنصور