للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دمر المغول بغداد كان فيها ست وثلاثون مكتبة عامة (٩)، فضلاً عن عدد لا يحصى من المكتبات الخاصة، ذلك أنه كان من العادات المألوفة عند الأغنياء أن يقتني الواحد منهم مجموعة كبيرة من الكتب. ودعا سلطان بخارى طبيباً مشهوراً ليقيم في بلاطه فأبى محتجاً بأنه يحتاج إلى أربعمائة جمل لينقل عليها كتبه (١٠). ولما مات الواقدي ترك وراءه ستمائة صندوق مملوءة بالكتب، يحتاج كل صندوق منها رجلين لينقلاه. "وكان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر ما في دور الكتب الأوربية مجتمعة" (١٢). ولم يبلغ الشغف باقتناء الكتب في بلد آخر من بلاد العالم-اللهم إلا في بلاد الصين في عهد منج هوانج-ما بلغه في بلاد الإسلام في القرون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر. ففي هذه القرون الأربعة بلغ الإسلام ذروة حياته الثقافية. ولم يكن العلماء في آلاف المساجد المنتشرة في البلاد الإسلامية من قرطبة إلى سمرقند يقلون عن عدد ما فيها من الأعمدة، وكانت إيواناتها تردد أصداء علمهم وفصاحتهم، وكانت طرقات الدولة لا تخلو من الجغرافيين، والمؤرخين، وعلماء الدين، يسعون كلهم إلى طلب العلم والحكمة؛ وكان بلاط مئات الأمراء يرددون أصداء قصائد الشعراء والمناقشات الفلسفية، ولم يكن أحد يجرؤ على جمع المال دون أن يعين بماله الآداب والفنون. وسرعان ما استوعب العرب ذوو البديهة الوقادة ثقافة الأمم التي فتحوا بلادها، وبلغ من تسامح المغلوبين أن أصبحت منهم الكثرة الغالبة من الشعراء، والعلماء، والفلاسفة الذين جعلوا اللغة العربية أغنى لغات العالم في العلوم والآداب. وإن كان العرب الأصليون أقلية صغيرة بين هؤلاء الفلاسفة، والعلماء، والشعراء.

وقد قوى علماء الإسلام في ذلك العهد دعائم الأدب العربي الممتاز بدراساتهم الواسعة للنحو الذي جعل اللغة العربية لغة النطق والقياس، وبما وضعوه من المعاجم التي جمعوا فيها ثروة هذه اللغة من المفردات في دقة ونظام، وبموسوعاتهم ومختصراتهم، وكتبهم الجامعة، والتي جمعت كثيراً من أشتات الآداب والعلوم