وأنفق في إنشائه مائتي ألف دينار (نحو ٩٥٠. ٠٠٠ ريال أمريكي). وأقام فيه طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال. ويقول ابن خلدون (٢٠) إن الإسلام مدين إلى هذا المعهد العلمي باليقظة الإسلامية الكبرى التي اهتزت بها أرجاؤه والتي تشبه في أسبابها- وهي انتشار التجارة وإعادة كشف كنوز اليونان- وفي نتائجها- وهي ازدهار العلوم والفنون- نقول إنها تشبه في أسبابها ونتائجها النهضة الأوربية التي أعقبت العصور الوسطى.
ودامت هذه الأعمال، أعمال الترجمة المخصبة المثمرة، من عام ٧٥٠ إلى ٩٠٠، وفي هذه الفترة عكف المترجمون على نقل أمهات الكتب من السريانية، واليونانية، والفهلوية، والسنسكريتية. وكان على رأس أولئك المترجمون المقيمين في بيت الحكمة طبيب نسطوري هو حنين ابن إسحق (٨٠٩ - ٨٧٣). وقد ترجم وحده-كما يقول هو نفسه-إلى اللغة السريانية مائة رسالة من رسائل جالينوس ومدرسته العلمية، وإلى اللغة العربية تسعاً وثلاثين رسالة أخرى. وبفضل ترجمته هذه نجت بعض مؤلفات جالينوس من الفناء. وترجم حنين فضلاً عن تلك الرسائل السالفة الذكر كتب المقولات (ويذكره العرب باسم قاطيغورياس) والطبيعة، والأخلاق الكبرى لأرسطو، وكتب الجمهورية، وطيماوس، والقوانين لأفلاطون؛ وعهد أبقراط، وكتاب الأقرباذين لديوسقريدس Dioscorides. وكتاب الأربعة لبطليموس، وترجم العهد القديم من الترجمة السبعينية اليونانية. وكاد المأمون أن يفلس بين المال حين كافأ حنين على عملهِ هذا يمثل وزن الكتب التي ترجمها ذهباً. ولما ولي الخلافة المتوكل عينه طبيباً لبلاطهِ، ولكنه زج به سنة في السجن حين أبى أن يركب له دواء يقضي به على حياة عدو له مع أن الخليفة أنذره بالموت إن لم يفعل. وكان ابن إسحق بن حنين يساعد أباه في أعمال الترجمة، ونقل هو إلى اللغة العربية من كتب أرسطو