الحلقة إلى أيدي المسلمين إلا ما كان منها في المنطق وعلم الطبيعة.
وإن انتقال العلوم والفلسفة انتقالاً مستمراً من مصر، والهند، وبابل، عن طريق بلاد اليونان وبيزنطية، إلى بلاد الإسلام في الشرق وفي أسبانيا، ومنها إلى شمالي أوربا وأمريكا، نقول إن هذا الانتقال لمن أجل الحوادث وأعظمها شأناً في تاريخ العالم. لقد كانت علوم اليونان حية في بلاد الشام حين أقبل عليها العرب فاتحين، وإن كانت هذه العلوم قد ضعف شأنها بسبب ما أكتنفها قبلئذ من غموض وما ساد البلاد من فقر وفساد في الحكم. وكان الراهب سفيرس سبخت Severus Sobokht رئيس دير قنسرين إحدى مدن أعالي الفرات يكتب باليونانية رسائل في الفلك، ويذكر لأول مرة الأرقام الهندية في خارج بلاد الهند (٦٦٢). لقد ورث المسلمون عن اليونان معظم ما ورثوه من علوم الأقدمين، وتأتي الهند في هذا في المرتبة الثانية بعد بلاد اليونان. ففي عام ٧٧٣ أمر المنصور بترجمة السدهنتا وهي رسائل هندية في علم الفلك يرجع تاريخها إلى عام ٤٢٥ ق. م. وربما كانت هذه الرسائل هي الوسيلة التي وصلت بها الأرقام "العربية"(١) والصفر من بلاد الهند إلى بلاد الإسلام (٢١). ففي عام ٨١٣ استخدم الخوارزمي الأرقام الهندية في جداوله الرياضية؛ ثم نشر في عام ٨٢٥ رسالة تعرف في اللاتينية باسم Algoritmi de numero Indorum " أي الخوارزمي عن أرقام الهنود". وما لبث لفظ الجورثم أو الجورسم أن أصبح معناه طريقة حسابية تقوم على العدّية العشرية. وفي عام ٩٧٦ قال محمد بن أحمد في مفاتيح العلوم إنه إذا لم يظهر في العمليات الحسابية رقم في مكان العشرات وجب أن توضع دائرة صغيرة لمساواة الصفوف (٢٢). وسمى المسلمون هذه الدائرة "صفراً"
(١) يسمي الإفرنج هذه الأرقام بالعربية لأنهم أخذوها من العرب ولكن العرب أنفسهم يسمونها بالأرقام الهندية لأنهم أخذوها عن الهنود. (المترجم)