ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علماً من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان- على ما نعلم- على الخبرة الصناعية الفروض الغامضة. فقد اخترعوا الأنبيق وسموه بهذا الاسم، وحللوا عدداً لا يحصى من المواد تحليلاً كيميائياً، ووضعوا مؤلفات في الحجارة، وميزوا بين القلويات والأحماض، وفحصوا عن المواد التي تميل إليها، ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركبوا مئات منها (١). وكان علم تحول المعادن إلى ذهب، الذي أخذه المسلمون من مصر هو الذي أوصلهم إلى علم الكيمياء الحق، عن طريق مئات الكشوف التي يبينوها مصادفة، وبفض الطريقة التي جروا عليها في اشتغالهم بهذا العلم وهي أكثر طرق العصور الوسطى انطباقاً على الوسائل العلمية الصحيحة. ويكاد المشتغلون بالعلوم الطبيعية من المسلمين في ذلك الوقت يجمعون على أن المعادن كلها تكاد ترجع في نهاية أمرها إلى أصول واحدة، وأنها لهذا السبب يمكن تحويل بعضها إلى البعض الآخر. وكان الهدف الذي يبغيه الكيمائيون هو أن يحولوا المعادن "الخسيسة" كالحديد، أو النحاس، أو الرصاص، أو القصدير إلى فضة، أو ذهب. وكان حجر الفلاسفة عندهم مادة-يدأبون على البحث عنها ولا يصلون إليها-إذا عولجت بها تلك المعادن العلاج الصحيح، حدث فيها التغير المطلوب. وكان الدم، والشعر، والبراز، وغيرها من المواد تعالج "بكواشف" متنوعة، وتعرض لعمليات التكليس، والتصعيد، وللضوء، والنار، علها أن يكون فيها ذلك الإكسير السحري (٣٦). وكان الاعتقاد السائد أن الذي يستحوذ على هذا الإكسير يستطيع إذا شاء أن
(١) الكحول كلمة عربية ولكن هذه المادة ليست من مخترعات العرب. وقد ذكر أول ما ذكر في مؤلف إيطالي ظهر في القرن التاسع أو العاشر (٣٥) الميلادي، وكان الكحل عند المسلمين مسحوقاً تطلى به الواجب.