تقبل فيها شهادتهُ، وصدرت بعد هذين القرارين قرارات أخرى تحتم قبول عقيدة حرية الإرادة، وعجز النفس البشرية عن رؤية الله رأى العين، وانتهى الأمر بأن جعل رفض هذه العقائد من الجرائم التي يعاقب مرتكبها بالإعدام.
وتوفي المأمون في عام ٨٣٣، ولكن المعتصم والواثق اللذين توليا الخلافة بعده واصلا هذه الحملة الفكرية، وقاوم الإمام ابن حنبل هذا الاضطهاد الفكري وندد بهِ؛ ولما استدعي لمناقشته في أمر المبادئ الجديدة أجاب عن كل ما وجه إليه من الأسئلة بإيراد شواهد من القرآن تؤيد آراء أهل السنة، فضرب حتى أغمي عليهِ، وألقي في السجن؛ ولكنه أصبح في أعين المسلمين بسبب هذا التعذيب من الشهداء والأولياء الصالحين، وكان تعذيبه هذا من العوامل التي مهدت السبيل للانتفاض على الفلسفة الإسلامية.
وكانت هذه الفلسفة قد أخرجت في ذلك الوقت أول داعٍ كبير لها وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي الذي ولد في الكوفة عام ٨٠٣ م. وكان والد الكندي من ولاة الأعمال في المدينة؛ وتلقى هو العلم فيها وفي بغداد، وذاعت شهرته في الترجمة، والعلم والفلسفة في بلاط المأمون والمعتصم، ونبغ مثل الكثيرين من أمثاله في مجد الإسلام الفكري في عدد كبير من العلوم، فدرس كل شيء، وكتب ٢٦٥ رسالة في كل شيء-في الحساب والهندسة النظرية، والهيئة، والظواهر الجوية، وتقويم البلدان، والطبيعة، والسياسة، والموسيقى، والطب، والفلسفة … وكان يرى ما يراه أفلاطون من أنه ليس في وسع إنسان أن يصبح فيلسوفاً من غير أن يكون قبل ذلك عالماً في الرياضة؛ وحاول أن يبني علم الصحة، والطب، والموسيقى على نسب رياضية. وقد درس فيما درس ظاهرة المد والجزر، وبحث القوانين التي تحدد سرعة الأجسام الساقطة في الهواء، كما بحث ظاهرة الضوء في كتابهِ عن البصريات الذي كان له أكبر الأثر في