للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو الحديث مع العقل وجب ألا يفسر تفسيراً حرفياً بل مجازياً، وأطلقوا على يد هذه الجهود التي يحاولون بها التوفيق بين العقل والدين اسم الكلام أي المنطق. وقد بدا لهم أن من السخف أن تؤخذ بحرفيتها العبارات الواردة في القرآن والتي تقول إن لله يدين وقدمين، وإنه يغضب ويكره، وقالوا إن تشبيه الله بالكائنات البشرية على هذا النحو الشعري، إذا كان يتفق مع أغراض النبي الأخلاقية والسياسية في أيام الرسالة، لا يمكن أن يقبله المتعلمون المستنيرون في أيامهم، وإن العقل البشري عاجز كل العجز عن معرفة طبيعة الله وصفاته، وكل ما يستطيعه أن يقبل ما جاء به الدين من إثبات وجود قوة روحية عليا هي أساس الحقائق عامة. وفضلاً عن هذا فقد كان المعتزلة يرون أن الخطر الشديد على أخلاق الناس وأعمالهم أ، يؤمنوا كما يؤمن عامة المسلمين بأن الحادثات كلها مقدرة تقديراً كاملاً من عند الله، وأن الله قد اختار منذ الأزل من سيثاب ومن سيعذب.

وانتشرت عقائد المعتزلة بهذه الصورة وبما أدخل عليها من الصور الأخرى التي يخطئها الحصر أثناء خلافة المنصور، وهارون الرشيد، والمأمون؛ واعتنق هذه المبادئ العقلية الجديدة سِرَّاًً في بادئ الأمر عدد من العلماء والخارجين على الدين، ثم جهز بها رجال في ندوة الخلفاء المسائية، ثم وجدت من يدعو إليها في المحاضرات التي تلقى في المدارس والمساجد، بل تغلبت في أماكن متفرقة على غيرها من الآراء. وافتتن المأمون نفسه بهذه النزعة العقلية الآخذة في القوة، وبسط عليها حمايته، وانتهى الأمر بأن جعل عقائد المعتزلة مذهب الدولة الرسمي. ذلك أ، المأمون مزج بعض عادات الملكية الشرقية بآخر الآراء الإسلامية المستمدة من الثقافة اليونانية، وأصدر في عام ٨٣٢ أمراً يفرض فيه على جميع المسلمين أن يعتقدوا بأن القرآن قد خلق في وقت بعينهِ، وأتبع هذا بأمر آخر يقضي بألا يعين قاضياً في المحاكم من لا يعلن قبولهُ لهذه العقيدة الجديدة أو أن