وهي الفلسفة اليونانية والمسيحية والغنوسطية والقومية الفارسية، والشيوعية المزدكية؛ وكان نشاطها عنيفاً، فأخذت تجادل في القرآن، وجهر شاعر فارسي بأن شعره أعلى منزلة من القرآن نفسه، فكان جزاؤه على قولهِ هذا قطع رأسهُ (٧٨٤)(٥٧)، وبدا أن صرح الإسلام القائم على القرآن قد أصبح وشيك الانهيار. غير أن عوامل ثلاثة في هذه الأزمة الشديدة جعلت النصر النهائي لأهل السنة: وهذه العوامل هي وجود خليفة محافظ مستمسك بدينهِ، واشتداد ساعد الحرس التركي، وولاء الناس الطبيعي لعقائدهم الموروثة. فلما أن تولى المتوكل على الله الخلافة في عام ٨٤٧ استمد العون من الشعب ومن الأتراك. وكان الترك حديثي العهد بالإسلام، حاقدين على الفرس، غريبين عن الفكر اليوناني، فاندفعوا بكل ما فيهم من قوة لتأييد السياسة التي ترمي إلى نصرة الدين بحد السيف. فنقض المتوكل السياسة الحرة العنيفة التي جرى عليها المأمون، وألغى ما أصدره فيها من المراسيم، وأخرج المعتزلة وغيرهم من الملحدين عن مناصب الدولة والوظائف التعليمية، وحرم الجهر بالآراء المخالفة لآراء أهل السنة في الأدب والفلسفة، وسَنَّ قانوناً يحتم القول بأن القرآن أزلي غير مخلوق، واضطهِد الشيعة وهُدم مشهد الحسين في كربلاء (٨٥١). وجدد المتوكل الأمر المعزو إلى عمر بن الخطاب ضد المسيحيين، والذي وسعه هارون الرشيد حتى شمل اليهود (٨٥٠)، ثم أهمل العمل بهِ بعد صدورهِ، جدد المتوكل هذا الأمر ففرض على اليهود والمسيحيين أن يلبسوا ثياباً من لون خاص تميزهم من غيرهم من أفراد الشعب، وأن يضعوا رقعاً ملونة على أكمام أثواب عبيدهم، وألا يركبوا غير البغال والحمير، وأن يثبتوا صوراً خشبية للشيطان على أبواب بيوتهم؛ وأمر بهدم جميع الكنائس والمعابد المسيحية واليهودية الجديدة، وحرم رفع الصليب علناً في المواكب المسيحية، ولم يسمح لمسيحي أو يهودي أن يتلقى العلم في المدارس الإسلامية.
واتخذ رد الفعل في الجيل التالي صورة أقل عنفاً من هذه الصورة السابق