الأفق، وتأدب جم، جميع مشاكل الحياة الأساسية. وأصدرت الجماعة في آخر الأمر إحدى وخمسين رسالة جمعت شتات أبحاثها كلها، وضمنتها خلاصة العلوم الطبيعية والدينية، والفلسفة. وأولع أحد مسلمي الأندلس أثناء تجواله في بلاد الشرق الأدنى حوالي عام ١٠٠٠ م بهذه الوسائل فجمعها واحتفظ بها.
ونجد في هذه الرسائل البالغة ١١٣٤ صفحة تفسيراً علمياً للمد والجزر، والزلازل، والخسوف والكسوف، والأمواج الصوتية، وكثير غيرها من الظواهر الطبيعية، كما نجد فيها قبولاً صريحاً كاملاً للتنجيم والكيمياء الكاذبة، ولا تخلو من عبث بالسحر وتلاعب بالأعداد. أما ما فيها من العقائد الدينية فهو شديد الصلة بالأفلاطونية الجديدة كما هو شأن الكثرة الغالبة من كتابات المفكرين المسلمين؛ فهم يقولون إنه عن الموجود الأول أي الله يصدر العقل الفعال، وعن هذا العقل يصدر عالم الأجسام والنفوس؛ وإن جميع الأشياء المادية توجدها النفس، وتعمل عن طريقها؛ وكل نفس تظل مضطربة قلقة حتى تتصل بالعقل الفاعل، أو نفس العالم، أو النفس الكلية، ويتطلب هذا الاتصال تطهير النفس تطهيراً كاملاً، والأخلاق هي الفن الذي تصل به النفس إلى هذا التطهير؛ والعلم والفلسفة والدين كلها وسائل لبلوغهِ. ويجب علينا في سعينا للتطهير أن ننسج على منوال سقراط في الأمور العقلية. وأن ننهج نهج المسيح في الإحسان إلى الخلق عامة، ونهج عليّ في نبلهِ وتواضعهِ. فإذا ما تحرر العقل عن طريق المعرفة، وجب أن يحس بحريتهِ في أن يؤول عبارات القرآن التي تتناسب مع فهم بدو غير متحضرين يسكنون الصحراء تأويلاً مجازياً (٦٦). ويمكن القول بوجه عام أن هذه الرسائل الإحدى والخمسين أكمل ما وصل إلينا من تعبير عن التفكير الإسلامي في العصر العباسي، وإنها أعظم تناسقاً من جميع الرسائل في هذا التفكير. وقد رأى علماء بغداد أن هذه الرسائل من قبيل الإلحاد فحرقوها في عام ١١٥٠؛ ولكنها رغم هذا ظلت تتداولها الأيدي، وكان لها أثر شامل عميق في الفلسفة