للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلامية واليهودية- نشاهده في كتابات الغزالي وابن رشد، وابن جبرول، وهليفي (٦٧)؛ وتأثر بها كذلك المعري الشاعر الفيلسوف، ولعلها كان لها أثر في ذلك الرجل الذي بز في حياته القصيرة ما في رسائل هذه الجماعة المتعاونة المؤتلفة من نزعة عقلية، وكان أكثر من أصحابها سعة في الأفق وعمقاً في التفكير ونعني به ابن سينا. ذلك أن ابن سينا لم يكفه أن يكون حجة في العلوم الطبيعية، ومرجعاً ذائع الصيت في الطب؛ وما من شك في أنه قد أدرك أن العالم لا يكمل علمه، إلا إذا أضاف إليه الفلسفة. ويحدثنا أنه قرأ كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو أربعين مرة من غير أن يفهمه (١)، وأنه حين استطاع آخر الأمر أن يدرك معناه بعد أن قرأ تعليق الفارابي عليه، سر لهذا سروراً عظيماً وحمد الله على هذا وخرج إلى الشارع ووزع الصدقات (٦٨). وبقي ابن سينا مستمسكاً بفلسفة أرسطو إلى آخر أيامه. وقد سماه في كتاب القانون بالفيلسوف وهو اللفظ الذي أصبح في اللغة اللاتينية مرادفاً للفظ أرسطو نفسه. وقد فصل ابن سينا فلسفته في كتاب الشفاء ثم أوجزها في كتاب النجاة. وكان الرئيس ابن سينا ذا عقل منطقي، يصر على التعاريف والتحديدات الدقيقة. وقد أجاب عن السؤال الذي شغل علماء العصور الوسطى طويلاً وهو: هل الكليات (كالإنسان، والفضيلة، والاحمرار) توجد منفصلة عن الأشياء الجزئية المفردة فيقول: (١) إنها توجد "قبل الأشياء" في عقل الله وعلى نسقها توجد الأشياء، (٢) وفي الأشياء بالصورة التي تتمثل فيها (٣) وبعد الأشياء بأن تكون معاني مجردة في العقل البشري. ولكن الكليات لا توجد في العالم الطبيعي منفصلة عن الأشياء الجزئية المفردة. وبعد مائة عام من الجدل والخصام أجاب أبلار Abelard وأكوناس عن هذا السؤال هذا الجواب نفسه.


(١) إن الذي قاله ابن سينا هو "قرأت كتاب السماع الطبيعي لأرسطاطاليس الحكيم أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى قراءته". (المترجم)