وسألته:"لمن يكون جمالك؟ " فقال: "لي" لأنه لا موجود سواي؛ أنا الحب، والمحبوب، والحب كلها في واحد، أنا الجمال، والمرأة، والعينان اللتان تريان (٩١).
وإذا لم يكن عند المسلمين، كما كان عند المسيحيين، كهانة تثبت لهؤلاء الأبطال الصالحين قداستهم، فقد خلع عليهم الشعب نفسه هذه القداسة، ولم يحلّ القرن الثاني عشر الميلادي حتى غلبت عواطف الشعب الطبيعية، ما نهى عنه الدين من تقديس الأولياء الصالحين واعتبار هذا التقديس ضرباً من الوثنية. وكان من أوائل هؤلاء الأولياء الصالحين إبراهيم ابن أدهم (القرن الثامن؟)، وهو الذي يسميه لي هنت Leigh Hunt في قصيدة له مشهورة أبو أبن أدهم Abou Ben Adhem. ويغزو خيال العامة إلى هؤلاء الأولياء قوى خارقة فيقولون إنهم قد كُشف عن أعينهم الغطاء فأصبحوا يرون ما لا يراه عامة الناس، ويقرؤون الأفكار، ويتبادلون الخواطر والمشاعر مع الناس، بل إنهم يبالغون في مقدرتهم فيقولون إن في وسعهم أن يبتلعوا النار والزجاج دون أن يصيبهم في ذلك أذى، وأن يخترقوا النيران من غير أن يحترقوا بها، وأن يمشوا على الماء، ويطيرون في الهواء، ويجتازوا المسافات الشاسعة في غمضة عين. ويروي أبو سعيد حالات من قراءة الأفكار لا تقل غرابة عن أغرب ما يروى من نوعها في هذه الأيام (٩٢). وهكذا يحدث على توالي الأيام أن الدين (١) الذي يظن بعض الفلاسفة أنه من صنع القساوسة والكهان، يتشكل ثم يتشكل بتأثير حاجات الناس وعواطفهم وخيالهم، حتى يصبح التوحيد الذي يجئ به الأنبياء ثم يكون هو بعينه الشرك الذي يعتقده عامة الشعب.
وقبل المسلمون من أهل السنة الصوفية في حظيرة الدين الإسلامي، وأفسحوا
(١) لا حاجة إلى التنبيه بأن الكاتب لا يقصد بهذا ديناً معيناً بل يشير إلى الأديان بوجه عام. (المترجم)