للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم خلواتهم وفضلاتهم. ويقول عن نفسهِ إن امرأة صعدت إلى سقف المسجد وهو فيه وألقت عليه الأقذار، ولكنه مع ذلك ظل يسمع صوتاً يناديه "أليس الله بكافٍ عبدهُ؟ ". ولما بلغ الأربعين من عمرهِ وصل إلى مرتبة الإشراف الكامل وبدا يخطب الناس، والتف حوله كثيرون من الأتقياء المخلصين، ويؤكد لنا هو أن بعض مستمعيه كانوا يلطخون وجوههم بروث حماره لتحل عليهم بركته (٨٩). وقد ترك أثره في التصوف بأن أنشأ خانقاه للدراويش ووضع لها طائفة من قواعد جعلتها نموذجاً لأبناء الطائفة في القرن الذي بعده.

وكان أبو سعيد يعلم الناس، كما علمهم القديس أوغسطين، أن رحمة الله، لا أعمال العبد الصالحة، هي سبيل النجاة؛ ولكنه كان يعني بالنجاة، التحرر الروحي، ولم يفهمها على أنها دخول الجنة، ويقول إن الله يفتح للإنسان باباً بعد باب التوبة ثم يأتي بعدها باب اليقين فإذا بلغه تقبل السباب والتحقير وعلم علم اليقين مصدره … ثم يفتح له الله بعدئذ باب الحب، ولكنه لا ينفك يقول في نفسهِ "أحب" … ثم يفتح له باب التوحيد … وعنده يدرك أن الله كل شيء منه وإليه … ويعرف أنه غير محق في قوله "أنا" أو "لي" … لأن الرغبات تتساقط عنه فيتخلى عنها ويهدأ باله … لأن الإنسان لا يفر من نفسهِ إلا إذا قتلها. إن نفسكَ تبعدك عن الله، وتقول إن فلاناً وفلاناً يتوعداني في الشر … وهذا قد أحسن إليَّ-كل هذا شرك بالله، فليس شيء يعتمد على المخلوقات، بل يعتمد كل شيء على الخالق. إن عليكَ أن تعرف هذا، فإذا قلته فاثبت عليهِ … والثبات معناه أنكَ إذا قلتَ "واحداً" فلا تقل "اثنين" أبداً … قل الله واثبت على هذا القول (٩٠).

وتظهر هذه العقيدة الهندية-الإمرسونية (١) في بعض الأقوال المنسوبة


(١) أي التي هي مزيج من عقائد الهند وإمرسن الفيلسوف الأمريكي. (المترجم)