خمس وعشرين سنة من الكدح المتواصل، ثم سافر إلى غزنة (٩٩٩؟) راجياً أن يهديها إلى أميرها محمود الرهيب.
ويؤكد لنا أحد شعراء الفرس الأقدمين أنه كان في غزنة "أربعمائة شاعر لا يفارقون مجالس السلطان محمود". ولو صح هذا لكان وجود هؤلاء الشعراء عقبة كأداء في سبيل الفردوسي، لكنه مع هذا أفلح في استرعاء اهتمام الوزير فجاء بالمخطوط الضخم إلى السلطان. وتقول إحدى الروايات إن محموداً هيأ للشاعر مسكناً مريحاً في قصرهِ، وأمده بقدر ضخم من المادة التاريخية، وأمره أن يضمها إلى ملحمتهِ. وتجمع كل الروايات التي وصلتنا من هذه القصة على اختلاف صورها أن محموداً وعده أنت يعطيه ديناراً ذهبياً (٤. ٧٠ دولارات) نظير كل بيت من القصيدة في صورتها الجديدة. وظل الفردوسي يكدح زمناً لا نعرف طوله؛ بلغت بعد القصيدة (حوالي عام ١٠١٠) صورتها النهائية، واشتملت على ٦٠. ٠٠٠ بيت وجيء بها إلى السلطان. وأوشك محمود أن يبعث إلى الفردوسي المبلغ الموعود، ولكن بعض بطانته استكثروا العطاء، وأضافوا إلى هذا قولهم إن الفردوسي زنديق شيعي ومعتزل. واستمع لهم محمود وبعث للشاعر بستين ألف درهم فضي (٣٠. ٠٠٠ ريال أمريكي). وغضب الشاعر وأراد أن يظهر غضبه واحتقاره فقسم المبلغ بين خادم حمام وبائع شراب ثم فر إلى هراة، حيث اختفى ستة أشهر في حانوت بائع كتب، حتى يئس من العثور عليه عمال محمود الذين أمرهم بالقبض عليه. ثم لجأ الفردوسي إلى شهريار أمير شيرزاد (١) في طبرستان، ونظم قصيدة يهجو فيها محموداً هجواً لاذعاً. وخشي شهريار غضب
(١) ليس شيرزاد أو شهرزاد اسم إقليم ولعل الأمر قد اختلط على المؤلف أو على من رجع إليه من المؤلفين. ولم يرد شيرزاد إلا في رواية محمد بن عبد الوهاب القزويني في حواشي جهار مقاله إذ قال إنه وجد في أصل الكتاب شهرزاد أو شيرزاد مكان شهريار. انظر مقدمة الشاهنامة للدكتور عبد الوهاب عزام في هذا وفي قصة يوسف وزليخا ففيها تفصيل وافِ عن قصة هذا الشاعر وبحث علمي في هذا الموضوع. (المترجم)