كلياً بل بقيت يتحدث بها الشعب؛ فلما حل القرن العاشر أخذت هذه اللغة تثبت وجودها بالتدريج، وتعود كما كانت لغة الحكم والأدب. وكانت بذلك مظهراً لاستقلال الأمة الثقافي في عهد الأمراء الساسانيين والغزنويين. وظلت سائرة في ذلك الطريق حتى أضحت هي اللغة الفارسية الجديدة في هذه الأيام، بعد أن استمدت ثروة طيبة من الألفاظ العربية، وبعد أن استخدمت الخط العربي الجميل. وكان من أعظم مظاهر هذه النهضة الحديثة عمائرها الفخمة وشعرها العظيم. وأضاف شعراء إيران إلى القصيدة والقطعة، وإلى شعر الغزَل المثنوى أو الشعر القصصي أو الرباعيات. وما لبث كل شيء في فارس-من وطنية، وعاطفة، وفلسفة، ولواط، وصلاح-أن عبّر عنه الشعر.
وبدأت هذه النهضة بالرودكي (المتوفى عام ٩٥٤) الذي كان يرتجل الشعر وينشد الأغاني، ويعزف على القيثار في بلاط السامانيين ببخارى. وفي هذا البلد نفسه، وبعد جيل من ذلك الوقت طلب الأمير نوح بن منصور إلى الشاعر الدقيقي أن يصوغ الخدينامة أو كتاب الملوك شعراً. وكان دانشوار (حوالي عام ٦٥١) قد جمع في هذا الكتاب قصص بلاد الفرس القديمة. وما كاد الدقيقي يتم كتابه ألف بيت حتى طعنه أحد عبيده المقربين طعنة قضت على حياتهِ، وقام الفردوسي بالعمل بعد وأتمه وأصبح هومر بلاد الفرس.
وولد أبو القاسم منصور (أو الحسن) في مدينة طوس (قرب مشهد) حوالي عام ٩٣٤، وكان والده يشغل منصباً إدارياً في بلاط السامانيين، وخلف لولدهِ بيتاً ريفياً في بزاعة بالقرب من طوس. وكان أبو القاسم يقضي وقت فراغه في البحث عن الآثار القديمة. واسترعى كتاب الخدينامة انتباهه فاعتزم أن يحوّل هذه القصص النثرية إلى ملحمة قومية، وسمي كتاب الشاهنامه، أي كتاب الملوك، واتخذ له حسب عادة تلك الأيام اسماً مستعاراً هو الفردوسي، ولعله اشتق ذلك الاسم من غياض ضيعتهِ. وأتم الفردوسي ملحمته في صورتها الأولى بعد