للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غرضه بألا تلد له أطفالاً. وفي ذلك يقول أبياتاً من الشعر لا تفترق عن أقوال المؤمنين أشد الأيمان بأقوال شوبنهور:

وإذا أرتم للبنين كرامة فالحزم أجمع تركهم في الأظهر (١)

وقد عمل هو بهذه النصيحة، وكتب بنفسه قبريته وهي أشد القبريات مرارة وأكثرها إيجازاً وأعظمها حكمة:

هذا جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد (٢)

ولسنا نعرف كم من المسلمين كانوا يشاركون المعري في تشككه؛ ذلك أن عودة العقائد السنية القوية بعد أيامه كانت أشبه برقابة مقصودة أو غير مقصودة على ما انحدر إلى الأجيال التالية من أدب ذلك العصر، وقد يؤدي بنا هذا إلى الاستخفاف بما كان في العصور الوسطى من تشكك في العالم الإسلامي كما حدث في العالم المسيحي. وبلغ الشعر العربي عند المتنبي والمعري ذروتهما، فلما انقضى عهدهما علا شأن البحوث الدينية وسكن الفلسفة، فصبغ هذا وذاك الشعر العربي صبغة جديدة تتسم بعدم الإخلاص، وتَصَنُّع العاطفة، وتكلف الأناقة اللفظية في قصائد غثة تدور حول شؤون بلاط الأمراء. وفي هذا الوقت عينه كانت نهضة الفرس، وبعثها، وتحررها من حكم العرب تثير حمية الأمة وتخلق فيها نهضة حقة. ولم تكن اللغة الفارسية قد استسلمت للغة العربية استسلاماً


(١) ومثلها: أرى ولد الفتى عبثاً عليه؛ لقد سعد الذي أمسى عقيما .. أما شاهد كل أبي وليد؛ يؤم طريق حتف مستقيما .. فإما أن يربيه عدواً؛ وإما أن يخلفه يتيما .. أرى النسل ذنباً للفتى بناله؛ فلا تنكحن الدار عقيم
(٢) لقد اعتمد المؤلف في إيراد هذه الأبيات وما سبقها على كتب نكلسون الواردة في ثبت المراجع وهي جميعاً كتب مفيدة ممتعة يرجع إليها الفضل فيما يعرفه علماء الغرب عن روعة الشعر الإسلامي وتنوع أغراضه.