وساءه ما بدا له من كذب الناس وقسوتهم فاعتزل الناس وغلب عليه التشاؤم، فكان عند المسلمين شبيهاً بتيمن الأثيني (١). ويرى أن لا أمل في إصلاح الناس لأن شرور المجتمع ناشئة من طبائع الخلق:
كتب الشقاء على الفتى في عيشه وليبلغن قضاءه المحتوما
فما أذنب الدهر الذي أنت لائم ولكن بنوا حواء جاروا وأذنبوا
رب متى أرحل عن عالمي فأنت بالناس خبير عليم
رب متى أرحل عن هذه الدنيا فقد أطلت المقام
ولهذا فإن خير ما يفعله الإنسان أن يعتزل العالم ويعيش وحيداً لا يلقى إلا صديقاً واحداً أو اثنين، وأن يحيا كما يحيا الحيوان الوديع بعيداً عن الخلق.
ويقول: لقد كان أفضل من هذا لو أن الإنسان لم يولد لأنه إذا ولد قاسى العذاب والمحن يبسط عليه الموت لواء السلام (١١٧):
وما العيش إلا علة برؤها الردى فخلي سبيلي أنصرف لطياتي
والعيش داء وموت المرء عافية إن داءه يتوارى شخصه حسما
والعيش سقم للفتى منصب والموت يأتي بشفاء السقام
على الموت يجتاز المعاشر كلهم مقيم بأهليه ومن يتغرب
وما الأرض إلا مثلنا الرزق تبتغي فتأكل من هذه الأنام وتشرب
كأن هلالاً لاح للطعن فيهم حناه الردى وهو السنان المجرب
كأن ضياء الفجر سيف يسله عليهم صباح في المنايا مذرب
وليس في وسعنا أن ننجو من منجل الموت، ولكن في وسعنا أن نفوت عليه
(١) أنظر قصة تيمن الأثيني في مسرحية شكسبير المعروفة بهذا الاسم، أو في قصته كما رواها تشارلس لام مترجمة في كتابنا "قصص من شكسبير". (المترجم)