إلى بطل الملحمة رستم بن زال أحد أمراء الإقطاع في تلك الأيام. ولا بلغ رستم من العمر خمسمائة عام وقع زال في هوى جارية شابة فولدت منه أخاً لرستم. ويخدم رستم ثلاث ملوك وينجيهم من الموت، ثم يهجر حياة القتال حين تبلغ سنه أربعمائة عام. ويطول عمر جواده الأمين الرخش كما يطول عمر سيده أو ما يقرب منه، ويكاد يبلغ من البطولة ما بلغه، ويلقى هذا الجواد من الفردوسي الحب والدعابة اللذين يلقاهما الجواد الأصيل من كل فارسي. وفي الشاهنامة قصص حب جميلة، وفيها بعض ما في شعر شعراء الفروسية الغزليين في أوربا في العصور الوسطى من تعظيم للنساء. فيها صور ساحرة للنساء البارعات الجمال- منها صورة للملكة سوذابة التي كانت تتحجب حتى لا يرى جمالها، والتي كانت تسير مع الرجال كما تسير الشمس خلف السحاب (١٢٢). ولكن الحب ليس له شأن كبير في حياة رستم، لأن الفردوسي يرى أن عاطفة الحب الأبوي والنبوي يمكن أن تكون أعظم وقعاً في النفوس من عاطفة الحب الجنسي. بيد أن رستم يقع أثناء إحدى حروبه البعيدة في حب فتاة تركية تدعى تهمينة، ثم تحتفي عن عينه فلا يقف على أثرها، ثم تربي ابنها سهراب والحزن يملأ قلبها الكبرياء يرفع رأسها بين أترابها، وتحدث الشاب عن أبيه العظيم الذي لا تعرف مقره، ويلتقي الأب والابن في حرب بين الترك والفرس، ويقف كلاهما ليقاتل الآخر دون أن يعلما حقيقة أمرهما. ويعجب رستم بشجاعة الصبي الوسيم، ويعرض عليه أن يحفظ عليه حياته؛ فيرفض الغلام هذا العرض بازدراء، ويقاتل قتال الأبطال، ويصاب بجرح مميت. ويقول وهو يحتضر إن أشد ما يحزنه أنه لم يرَ أباه رستم، ويدرك المنتصر أنه قتل ابنه. ويعدو جواد سهراب بغير فارس حتى يدخل معسكر الترك ويصل الخبر إلى والدته في منظر من أجمل مناظر الملحمة:
تئن وتجأر جهد الحزين وينتابها الغشى في كل حين
أطالت بكاء ابنها والنحيبا فأجرت من الناس دمعاً سكوبا