للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرت على الأرض جمراً خمد كأن بها دمعاً قد جمد

وعادت ترجع تحنانها وتذكي على الابن أحزانها

وجاءت إلى طرفه الطائر إلى زينة الزمن الناظر

فلزَّتْ إلى رأسه صدرها يرى الناس في عجب أمرها

وجاءت لحلته في كمد تعانقها كأبنها المفتقد (١)

والقصة كلها غاية في الوضوح يتنقل القارئ فيها تنقلاً سريعاً من حادثة إلى حادثة، ولا يحس بوحدتها إلا حين بوجود الوطن المحبوب في كل سطر من سطورها وإن كان لا يبصره بعينه. ونحن، الذين لا نجد لدينا من الفراغ ما كان يجده الناس قبل أن تخترع تلك الوسائل الكثيرة التي توفر عليهم أوقاتهم، لا نجد متسعاً من الوقت نقرأ فيه كل أبيات القصيدة وندفن فيها كل ملوكها؛ ولكن هل منا من قرأ كل سطر من أسطر الإلياذة أو الإنياذة، أو المسلاة المقدسة، أو الفردوس المفقود؟ إن هذه الملاحم القصصية لا يستطيع قراءتها إلا الذين أتوا القدرة على هضمها. أما نحن فبعد أن نقرأ مائتي صفحة من صفحات الشاهنامة نمل من قراءة أخبار انتصارات رستم على الشياطين، والوحوش، والسرة، والأتراك. ولكن سبب هذا الملل أننا لسنا إيرانيين، لم نسمع إلى أنغام الشعر الفارسي الأصيل الرنانة العذبة، ولا نتأثر بها كما يتأثر بها الفرس الذين أطلقوا اسم رستم على ثلاثمائة قرية في ولاية واحدة من بلادهم. وقد احتفل العالم المتمدن في آسية وأوربا والأمريكيتين في عام ١٩٣٤ بالعيد الألفي للشاعر الذي ظل كتابه الضخم غذاء لروح الشعب الإيراني مدى ألف عام.


(١) هذه الأبيات منقولة عن الترجمة العربية للشاهنامة من الفصل الذي أغفله الفتح بن على البنداري وترجمه الدكتور عبد الوهاب عزام. (المترجم)