المسجد يقام عادة بالقرب من سوق المدينة يسهل الوصول إليه من كافة أنحائها. ولم يكن عادة فخماً ذا روعة وبهاء من خارجهِ. وإذا استثنينا واجهته الأمامية فإنه لم يكن يسهل تمييزه في بعض الأحيان من المباني المجاورة له، وقد يكون أحياناً ملتصقاً بها التصاقاً، وقلما كان يشيد من مواد أفخم من الآجر المطلي بالمصيص. وقد حدد شكله الغرض الذي أقيم من أجلهِ: فكان يتألف من بهو رباعي الشكل يتسع للمصلين، ومن حوض أوسط ونافورة للضوء، تحيط بها إيواناته ذات البواكي لوقاية المصلين وإظلالهم، وليتلقوا فيها الدروس، وفي ناحية الصحن المتجهة إلى مكة كان يقوم بناء المسجد الأصلي، وهو في العادة قسم مسور من الرواق. وكان هذا القسم أيضاً ذا شكل رباعي يمكن المصلين من أن يقفوا صفوفاً متراصة متجهين أيضاً إلى مكة. وقد يكون فوق هذا الصرح قبة، تكاد تبنى في جميع الأحوال من الآجر، تبرز كل طبقة منها عما تحتها بمقدار قليل نحو الداخل وتطلى بالجص لإخفاء هذا البروز (١٢٨). وكان الانتقال من القاعدة الرباعية إلى القبة المستديرة يتم كما يتم في العمارة الساسانية أو البيزنطية بأن تتوسطها في القبة عدة أكتاف مثلثة الشكل بين عقدين متعامدين، أو سلسلة من العقود الحجرية الصغيرة تقام عليها جوانب القبة. وأهم ما تمتاز به عمارة المساجد هو المئذنة من الزجورات-الصرح-البابلي وبرج الجرس في الكنائس المسيحية، وأخذ الهنود المسلمون الشكل الأسطواني من بلاد الهند، وتأثر مسلمو إفريقية في تخطيطها بمنارة الإسكندرية ذات الأركان الأربعة (١٢٩). وليس ببعيد أن تكون الأبراج ذات الأركان الأربعة في المساحة التي أقيم عليها الهيكل القديم في دمشق، ذات أثر في شكل المئذنة (١٣٠)، وكانت في هذا العهد الأول بسيطة خالية في أغلب الأحيان من الزخرف، ولم تصل إلا في القرون المتأخرة إلى ما وصلت إليه من الدقة والارتفاع، أو نحو ما احتوته من الشرفات الرقيقة الهشة،