والبواكي الزخرفية، والسطوح القاشانية، التي أنطقت فرجسون Fergusson بقولهِ "إنها أعظم الأبراج رشاقة في عمارة العالم كله"(١٣١).
وقد احتفظ المسلمون لداخل المسجد بأبهج الزخارف وأجملها وأكثرها تنوعاً، احتفظوا لهذا الداخل بالفسيفساء وقطع القرميد البراقة لأرض المسجد ومحرابه؛ وبالزجاج ذي الأشكال والألوان البديعة لنوافذهِ ومصابيحه، وبالطنافس الغالية والبسط الفخمة تفرش على أرضه للصلاة؛ وبألواح الرخام الجميل الألوان تثبت على الأجزاء السفلى من الجدران؛ وبالأفاريز الجميلة ذات الكتابة العربية حول المحاريب والطنف؛ وبالنقوش الجميلة في الخشب أو العاج أو المصنوعة من المعدن في الأبواب، والسقف، والمنابر، والسجف … أما جسم المنبر نفسه فكان يصنع من الخشب تبذل أعظم العناية في نحتهِ ونقشهِ وتطعيمه بالعاج والأبنوس. وبالقرب من المنبر توجد الدكة المقامة على عمد صغيرة وعليها نسخة من كتاب الله. وكان الكتاب نفسه بطبيعة الحال أنموذجاً لجمال الخط وروعة الفن الدقيق. ويجاور المنبر القبلة وهي جزء داخل في جدار المسجد لعله مأخوذ من القباب في الكنائس المسيحية. وقد أفرغ الصناع والفنانون كل جهودهم في تزيين هذا المحراب حتى كان يضارع المذبح أو المحراب المحيط به في الكنائس والهياكل. فجملوه بالقاشاني والفسيفساء، وصور أوراق الشجر وأزهاره، والنقوش البارزة، والأنماط الجميلة، ذات الألوان البديعة من الآجر، والجص، والرخام، والطين المحروق، والقاشاني.
وأكبر الظن أننا مدينون بما بلغه فن الزخرفة من عظمة وفخامة إلى تحريم الساميين تمثيل صور الإنسان والحيوان في الفن! فكأن الفنانين المسلمين أرادوا أن يعوضوا هذا التحريم فاخترعوا هذا الفيض الغامر من الأشكال غير البشرية أو الحيوانية، وأخذوا ما كان منها موجوداً عند غيرهم. فبحث الفنان في أول الأمر عن منفذ لمواهبهِ الفنية في الأشكال الهندسية-الخط، والزاوية، والمربع،