أخيهِ لأبيهِ، الشاب إبراهيم ابن المهدي-على الرغم من تقاليد طبقته-لأن إبراهيم كان له صوت غاية في القوة يبلغ مداه ثمان طبقات. وإن الزمن ليتضاءل في خيالنا وتضيق دائرته إلى أقصى حد عندما نسمع أنه قام بحركة ابتداعية في الموسيقى العربية مضادة للنزعة الإتباعية نزعة إسحق بن إبراهيم الموصلي. وكان المأمون يقول عنه أنه لم يغنّ لي قط إلا شعرت بأني قد اتسع ملكي (١٥٩).
والقصة الآتية التي يرويها مخارق تلميذ إبراهيم الموصلي تصور لنا المجتمع الإسلامي بصورة مبهجة، وتظهر ما كان للموسيقى الإسلامية من أثر قوي في نفس المسلم؛ ولسنا في حاجة إلى تصديقها لكي نحس بمغزاها، قال:
تطفلت تطفيلة قامت على أمير المؤمنين المعتصم بمائة ألف درهم، فقيل له كيف ذلك؟ قال: شربت معه ليلة إلى الصبح، فلما أصبحنا قلت له: يا سيدي إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي فأخرج الرصافة فأتنسم إلى وقت انتباه أمير المؤمنين قال نعم، وأمر البوابين أن يتركوني؛ فخرجت أتمشى فإذا بجارية كأن الشمس تشرق من وجهها فتبعتها، ورأيت معها زنبيلاً فوقفت على صاحب فاكهة فاشترت منه سفرجلة بدرهم، ورمانة بدرهم وكمثراية بدرهم وانصرفت. فتبعتها، فالتفتت فرأتني فقالت يا ابن الفاعلة إلى أين تريد؟ قلت خلفك يا سيدتي؛ فقالت ارجع يا ابن الزانية لئلا يراك أحد فيقتلك. فتأخرتُ ومشيتُ من بعيد وهي تمشي أمامي، ثم التفتت فرأتني فشتمتني شتماً قبيحاً. ثم جاءت إلى باب كبير فدخلتْ فيه وجلستُ أنا بحذاء الباب، وقد ذهب عقلي، ونزلت عليّ الشمس، وكان يوماً حاراً، فما لبثت أن جاء فَتَيان كأنهما بدران على حمارين؛ فلما وصلا إلى الباب استأذنا فأذن لهما، فدخلا، ودخلتُ معهما، فظنا أن صاحب المنزل قد دعاني. وجيء بالأكل فأكلنا وغسلنا أيدينا، ثم قال لنا صاحب المنزل: هل لكما في فلانة؟ قالوا: إن تفضلت. فاستدعى تلك الجارية، فخرجت صاحبتي ووراءها وصيفة تحمل عودها، فوضعته في حجرها وغنت، فشربوا وطربوا، فقالوا: لمن هذا الصوت؟ فقالت: لسيدي مخارق. ثم غنت صوتاً آخر فشربوا