وطربوا وهي تلحظني وتشكّ فيَّ، فقالوا: لمن هذا الصوت؟ فقالت: لسيدي مخارق. ثم غنت صوتاً ثالثاً فطربوا وشربوا، فقالوا لمن هذا الصوت؟ فقالت: لسيدي مخارق. فلم ألبث أن قلتُ: يا جارية شدي يدك فشدت أوتارها وخرجت عن إيقاعها الذي تقول عليه. فاستدعيتُ بدواة وقضيب وغنيتُ الصوت الذي غنته الجارية أولاً، فقاموا إليَّ وقبلوا رأسي. (قال الراوي) وكان مخارق أحسن الناس صوتاً وكان يوقع بالقضيب توقيعاً عجيباً. ثم غنيتُ الصوت الثاني والثالث فكادت عقولهم تطير. فقالوا بالله من أنتَ يا سيدي؟ فقلتُ: أنا مخارق. فقالوا ما سبب مجيئك؟ قلت: طفيلي أصلحكم الله، وأخبرتهم بخبري، فقال صاحب البيت لصديقيهِ: أما تعلمان أني أعطيت في الجارية ثلاثين ألف درهم فامتنعت عن بيعها؟ قالا: بلى. قال: هي له. قال صديقاه: علينا عشرون ألف درهم وعليكَ عشرة آلاف. قال مخارق فملكوني الجارية وجلستُ عندهم إلى العصر وانصرفتُ بها (وبغيرها من الأثواب الغالية والهدايا الأخرى الثمينة التي أهدوها إليَّ)، وكلما مرت بالمواضع التي شتمتني فيها أقول لها: يا مولاتي: أعيدي كلامك؛ فتستحي مني فأحلف عليها لتعيدنه فتعيده حتى وصلنا إلى باب أمير المؤمنين (فقيل لي إنه انتبه وطلبك في منازل أبناء القواد فلم يجدكَ وتغيظ عليكَ غيظاً شديداً)، فدخلتُ عليهِ ويدي في يدها فلما رآني سبَّني وشتمني، فقلتُ: يا أمير المؤمنين: لا تعجل. وحدثته القصة فضحك وقال: نحن نكافئهم عنك. فأحضَرَهم وأمرَ لكل واحد منهم بثلاثين ألف درهم ولي بعشرة آلاف (١).
(١) نقل المؤلف هذه القصة من كتاب Arabian Society in the Middle Ages " المجتمع العربي في العصور الوسطى" تأليف إدوارد لين Edward lane ونقلها لين عن كتاب حلبة الكميت. ونقلناها نحن عن الكتاب الأخير وهي مطابقة في جملتها لما ورد في كتاب لين عدا الجزأين المحصورين بين أقواس فالجزء الأول غير موجود في حلبة كميت، والجزء الثاني غير موجود في الأصل الإنجليزي؛ ولعل مؤلفنا أو لعل لين نفسه قد حذفه. وهناك اختلاف آخر فيما كافأ به الخليفة صاحب الجارية وصديقيه فمؤلفنا يقول إن أمير المؤمنين أعطى صاحب الجارية أربعين ألف درهم، وكل واحد من صديقيهِ ثلاثين ألفاً، ومخارقاً مائة ألف، أما صاحب حلبة الكميت فيقول إنه أمر لسيد الجارية ولكل واحد من صاحبهِ بثلاثين ألف درهم، ولمخارق بعشرة آلاف، وهذا يتفق مع ما جاء في أول القصة الذي لم ينقله المؤلف. (المترجم)