للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرومان، وفي العلوم الطبيعية، والآداب والفلسفة.

وحكم عمر مصر حكماً صالحاً؛ وخصص جزءاً من الضرائب الباهظة (١) لتطهير قنوات الري وترميم الجسور، وإعادة فتح الخليج الذي كان يوصل النيل بالبحر الأحمر، والذي يبلغ طوله ثمانين ميلاً. وبذلك استطاعت السفن وقتئذ أن تصل من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي (٦) (وقد طمر هذا الخليج مرة أخرى في عام ٧٣٢ وأهمل شأنه). وأنشأ عمرو عاصمة جديدة لمصر في الموضع الذي أقام فيه معسكر عام ٦٤١ وسميت العاصمة الجديدة بالفسطاط، وهي كما يبدو الكلمة المرادفة لخيمة. وكانت هذه المدينة بداية مدينة القاهرة الحاضرة؛ وقد ظلت قرنين كاملين (٦٤١ - ٨٦٨) مقر الولاة المسلمين يحكمون منه مصر نيابة عن خلفاء دمشق أو بغداد.

وبعد فإن من الحقائق المقررة أم كل فتح يخلق حدوداً جديدة تتعرض للخطر فتوحي بفتح جديد. وأراد المسلمون أن يحكموا مصر الإسلامية من هجوم على جناحها الغربي من قيرين البيزنطية فزحفوا بجيش تبلغ عدته أربعين ألف مقاتل مخترقين الصحراء إلى برقة، واستولوا عليها، ووصلوا قرب قرطاجة. وغرس قائد المسلمين رمحه في الرمل جنوبي مدينة تونس الحالية بنحو ثمانين ميلاً، وأقام في هذه النقطة معسكره، وأنشأ بذلك (٦٧٠) مدينة من أكبر المدائن الإسلامية وهي مدينة القيروان- "المحطة" (٢). ونسي البربر إلى حين حقدهم على الروم فانظموا إليهم في الدفاع عن المدينة، فظلت تقاوم المسلمين ولم تخضع إليهم إلا في عام ٦٩٨. ولم يلبث


(١) ولعل المؤلف يقصد الضرائب التي كانت باهظة في أيام الرومان لأن المعروف أن عمراً خفف الضرائب ووزعها توزيعاً عادلاً. (المترجم)
(٢) الذي في قاموس الفيروز آبادي أن القيروان القافلة. (المترجم)