للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب عمرو إلى الخليفة عمر يستأذنه في هذا؛ فرد عليه عمر، كما تقول الرواية، بقولهِ: "أما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ما جاء بها يوافق ما جاء في كتاب الله فلا حاجة لنا بهِ، وإذا خالفه فلا أرب لنا فيه واحرقها". وتختصر الأسطورة هذا الرد الأسطوري في أغلب الظن إلى هذا الجواب القصير: "احرقها لأن ما فيها كله يحتويه كتاب واحد هو القرآن". ويضيف بار هبريوس أن عمراً أمر بالكتب فوزعت على حمامات المدينة البالغ عددها أربعة آلاف حمام لتوقد بها، فما زالوا يوقدون بملفات البردي والرق ستة أشهر (٦٤٢). ومن نقط الضعف في هذه القصة: (١) أن جزءاً كبيراً من هذه المكتبة قد أحرقه المسيحيون المتحمسون في عهد البطريق توفيلس عام ٣٩٢ (٣)، (٢) وأن ما بقي فيها قد تعرض لإهمال المهملين وعداء الأعداء تعرضاً "أدى إلى ضياع معظمه قبل عام ٦٤٢" (٤)، (٣) وأن أحداً من المؤرخين المسيحيين لم يشر بكلمة إلى هذا الحديث المزعوم في الخمسمائة العام الواقعة بين حدوثه وبين ذكره لأول مرة، مع أن أحد هؤلاء المؤرخين وهو أوتكيوس Eutychius كبير أساقفة الإسكندرية في عام ٩٣٣ (١) وقد وصف فتح العرب للإسكندرية بتطويل كبير (٥). ولهذا فإن معظم المؤرخين يرفضون هذه القصة ويرون أنها من الخرافات الباطلة. هذا ولقد كان ضياع مكتبة الإسكندرية شيئاً فشيئاً من المآسي الكبرى في تاريخ العالم؛ وذلك بأنها، كما يعتقد العلماء، كانت تحتوي على مجموعة كاملة مما نشر من كتب إسكلس، وسفكل، وبولبيوس، وليفي، وتاستوس، ومائة آخرين من المؤلفين الذين وصلت إلينا كتبهم مختلطة مهوشة، كما كانت تحتوي على نصوص الكاملة لمن جاء قبل سقراط من الفلاسفة، وهي النصوص التي لم يبقَ منها إلا جذاذات متفرقة، وعلى آلاف من المجلدات في تاريخ اليونان، والمصريين،


(١) ولقد أورد الدكتور بطار في كتابهِ "فتح العرب لمصر" المترجم إلى اللغة العربية من الأدلة القاطعة ما يفند هذه القصة. (المترجم)