عنها الخراج، وحتى ملاك الضياع الواسعة استأثروا بالسلطة كلها في ضياعهم. لكن من بقي في قرطبة من العرب أخذوا ينتعشون شيئاً فشيئاَ، حتى إذا حل عام ١٠٢٣ طردوا البربر من العاصمة وأجلسوا على العرش عبد الرحمن الخامس، غير أن العامة من أهل قرطبة رأوا أنه لا يرجى خير من العودة إلى العهد القديم، فاستولوا على القصر وبايعوا بالخلافة محمداً المستكفي أحد زعمائهم (١٠٢٣). وعين محمداً أحد عمال النسيج وزيراً له، ثم اغتيل هذا الوزير، ودس السم للخليفة الشعبي، ثم اتحدت الطبقتان العليا والوسطى وبايعت بالخلافة هشاماً الثالث (١٠٢٧). وجاء دور الجيش بعد أربع سنين، فقتل وزير هشام، وطُلب إلى هشام نفسه أن ينزل عن الخلافة؛ وعقد مجلس من أصحاب الرأي في المدينة وأيقن المجتمعون أن النزاع على العرش قد جعل قيام الحكم الصالح غي مستطاع، فألغى الخلافة الأندلسية، وأحل محلها مجلساً للدولة، واختير ابن جهور رئيساً لهذا المجلس فحكم الجمهورية الجديدة بالعدل والحكمة.
لكن هذا جاء بعد فوات الأوان، أي بع أن اضمحلت السلطة السياسية وقضي على الزعامة الثقافية في قرطبة، فوصلت بذلك إلى حال لا يرجى منها شفاء. وروع العلماء والشعراء بكثرة الحروب الأهلية ففروا من "جوهرة العالم" إلى بلاط طليطلة، وغرناطة، وإشبيلية. واقتسم بلاد الأندلس الإسلامية ثلاثة وعشرون من ملوك الطوائف شغلتهم الدسائس والمنازعات فيما بينهم عن إغارة أسبانيا المسيحية على الإمارات الإسلامية واستيلائها عليها واحدة بعد واحدة. وازدهرت غرناطة بعض الوقت في حكم الحاخام صمويل هليفي Samuel Halevi المعروف عند العرب باسم إسماعيل بن نغرلة. واستقلت طليطلة عن قرطبة في عام ١٠٣٥. ثم خضعت لحكم المسيحيين بعد خمسين عاماً من استقلالها.
وورثت إشبيلية مجد قرطبة، وكان بعضهم يظنها خيراً من العاصمة القديمة وأجمل منها؛ وكان الناس يحبونها لجمال حدائقها، ونخيلها، ووردها، وما فيها