من مرح دائم، وموسيقى، ورقص، وغناء. وكانت تتوقع سقوط قرطبة فتعجلت هي وأعلنت استقلالها في عام ١٠٢٣، وعثر أبو القاسم محمد قاضي قضاتها على صانع حصر شبيه بهشام الثاني فنادى به خليفة، وآواه وأمسك هو بزمامهِ، وأقنع بلنسية، وطرطوشة وقرطبة نفسها بمبايعتهِ. وبهذه الطريقة السهلة أقام قاضي القضاة الداهية أسرة بني عباد القصيرة الأجل. ولما مات في عام ١٠٢٤ خلفه ابنه عباد المعتضد وحكم إشبيلية بمهارة وقسوة مدة سبعة وعشرين سنة، وأخذ يمد سلطانة حتى كان نصف أسبانيا الإسلامية يؤدي له الجزية. وورث الملك من بعده ابنه المعتمد (١٠٦٨ - ١٠١٩) وهو في السادسة عشر من عمرهِ، ولكنه لم يرث عنه مطامعه ولا وقسوته. وكان المعتمد أعظم شعراء الأندلس، يفضل مجالس الشعراء والموسيقيين على مجالس الساسة وقواد الجند، ويجزل العطاء لمنافسيه من الشعراء، ولا يحسدهم على تفوقهم، فلم يكن يرى من الإسراف أن يجيز إحدى الملح الشعرية بألف دينار (٣٦). وكان يحب شعر ابن عمار، ولذلك اتخذه وزيراً له، وسمع جارية تدعى الرميكية ترتجل جيد الشعر، فابتاعها، وتزوجها، وظل حتى وفاته يحبها حباً شديداً، وإن لم يهمل غيرها من الغانيات في قصرهِ. وكانت الرميكية تملأ القصر بضحكها، وأحاطت سيدها بجو من المرح، جعل رجال الدين يلومونها على عدم اكتراث زوجها بشؤون الحكم، وما آلت إليه مساجد المدينة التي أوشكت أن تخلو من المصلين. لكن المعتمد مع هذا كان قادراً على أن يحكم، وأن يحب، ويغني. فلما أن هاجمت طليطلة مدينة قرطبة، واستغاثت قرطبة به، سير إليها حملة أنقذت المدينة من طليطلة، وأخضعتها لإشبيلية. وحمل الملك-الشاعر مدى جيل كامل مليء بالقلاقل لواء حضارة لا تقل ازدهاراً عن حضارة بغداد في أيام هارون الرشيد، وحضارة قرطبة في عهد المنصور.