على شراء السجاجيد، والوسائد، والسجف الحريرية، والشيلان، والأرائك الأندلسية. ويقول المقري (٤٨) إن ابن فرناس القرطبي اخترع في القرن التاسع الميلادي النظارات، والساعات الدقاقة المعقدة التركيب، كما اخترع آلة طائرة. وكون أسطول تجاري يزيد على ألف سفينة يحمل غلات الأندلس ومصنوعاتها إلى إفريقية وآسية، وكانت السفائن القادمة من مائة ثغر وثغر تزدحم بها مرافئ برشلونة، والمرية، وقرطاجنة، وبلنسية، ومالقة، وقادس، وإشبيلية. وأنشأت الحكومة نظاماً للبريد ينقل رسائلها بانتظام. واحتفظت العملة الرسمية بأجزائها-الدينار الذهبي، والدرهم الفضي، والفلس النحاسي، -بثباتها واستقرارها النسبي، إذا قارناها بعملة العالم المسيحي اللاتيني في أيامها، ولكن هذه النقود الأندلسية أخذت هي الأخرى ينقص وزنها، ونقائها، وقوتها الشرائية.
وسار الاستغلال الاقتصادي في هذه البلاد سيرته في البلاد الأخرى، فاستحوذ العرب أصحاب الضياع الواسعة، والتجار الذين كانوا يعتصرون المنتج والمستهلك على السواء، على خيرات الأرض. وكان معظم الأغنياء يعيشون في الريف في بيوت ذات حدائق، ويتركون المدن الكبرى للبربر، والذين أسلموا من المسيحيين، والمستعربين (غير المسلمين من الأندلسيين الذين أخذوا عن العرب أساليب العيش ولغة الحديث)، وإلى طائفة قليلة العدد من الخصيان، والضباط والحراس الصقالبة، والعبيد خدم البيوت. وأحس الخلفاء في قرطبة بعجزهم عن القضاء على الاستغلال الاقتصادي من غير أن يضعفوا روح المغامرة فوقفوا بين هذا وذاك بتخصيص ربع غلات أرضهم لمعونة الفقراء (٤٩).
وكان استمساك الطبقات المعدمة بدينها وتشددها في عقائدهما سبباً في زيادة سلطان الفقهاء أي علماء الشريعة الإسلامية؛ وكان العامة ينفرون من كل جديد